السُّوْقَةُ من الناس

mainThumb

29-12-2014 12:23 PM

يَكْثُرُ في كلام بعض المثقفين كلمةُ ( سُوْقة ) على سبيل الذم والقدح ، وهي كلمةٌ بريئة من ذلك المعنى ، فترى بعضَهم إنْ أراد أن يُبالغُ في ذمِّ إنسان قال له : ( أنت سوقة ) !

وهذه المفردة ، وضعتْها العرب مُقابلَ المَلِكِ ، فهي ليس في كلامهم في سُلَّمِ الذمِّ أو الشتم أو السبِّ ، بل هي كلمةٌ ظُلِمَتْ من قِبَلِ أبناء العربية كما ظُلِمَتْ كثيرٌ من المفردات مثل كلمة ( جُرْثُومة ) التي وضعتها العرب للأصلِ والمَحْتَدِ ، ولكن أُسيئَ ...لها حتى أطلقها المُتأخِّرون على الكائن المُسَبِّبِ للأمراض !

وكلمتنُا ( السُّوْقة ) إنما جاءت في كُلِّ مَنْ لم يكنْ مَلِكاً ، تاجراً كان أو غير تاجر .

قال أبو بكر الأنباري في كتابه ( الزاهر ) ( 388 ) :

( العامةُ تُخْطِئُ في معنى هذا ؛ فتظُنُّ أنَّ السُّوْقَةَ أهلُ الأسواقِ المُتَبايعون فيها ، وليس الأمرُ عند العربِ على ذلك ، إنما السُّوْقَةُ عندهم ؛ مَنْ لم يكنْ مَلِكَاً ، تاجراً كان أو غيرَ تاجرٍ . وأنشد علي بن المبارك الأحمر :

ما كان مِنْ سوقةٍ أُسْقَى على ظَمَأٍ
..... خَمْراً بماءٍ إذا ناجُوْدُها بَرَدَا

مِنْ ابن مَامَةَ ؛ كعبٍ ثُمَّ عَيَّ به
..... زَوُّ المنيَّةِ إلَّا حِرَّةً وَقَدَى

وقال زهيرٌ :

يا حارِ لا أُرْمَيَنْ منكم بداهيةٍ
...... لم يَلْقَها سُوْقَةٌ قبلي ، ولا مَلِكُ

وقال أيضا :

تَطْلُبُ شَأْوَ امرأينِ نالَ سَعْيُهُما
..... سَعْيَ الملوكِ ، وَبَذَّا هذه السُّوْقا ) .

وجاء في ( الغيث المسجم ) ( 2 / 337 ) عند تناول قول امرئ القيس :

( أَمِنْ أجلِ أعرابيَّةٍ حَلَّ أَهْلُها
..... جنوبَ الملا عيناكَ تَبْتَدِرانِ

قال : وما في هذا ما يدلُّ على مُلْكِهِ ، قد يجوزُ أن يقولَ هذا سوقَةٌ من أهلِ الحضرِ ، فَكَأنَّه يؤَنِّبُ نفسَهُ على التعلُّقِ بأعرابيةٍ ... ) .

وقال الصفدي في المصيبة التي حَلَّتْ بالمعتمد بن عبَّاد وبنيه ( 2 / 275 ) :

( وما رعتْ الأيامُ له حقوقَهُ ، ولا أَرَتْ المعالي بعدَ غروبِه شُرُوْقَهُ ، ولا عَدَتْ أنْ عُدَّتْ بنوه الأملاكُ في السُّوْقَةِ ... ) .

فيتبيَّنُ لنا أن كلمةَ سُوْقَة هي مقابل المُلْكِ لا يُفْهمُ منها ذَمَّاً ولا قدحاً .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد