سقاه الكرى كَأسَ سُكْرٍ ؛ فَرَأْسُهُ ..

mainThumb

14-12-2014 12:23 PM

لقد قطع العربُ الفيافي على ظهور الإبل ، وقطْعُهم هذا يكونُ ليلاً ، ويكون نهارا ، وفي الليل يطرقُهم الكرى ، بحيثُ يتمايلون فوق الرَّواحل وتخفُقُ رؤوسُهم ، ومن أروعِ ما قرأتُ في هذا الباب قولُ ذي الرُّمَّة يصفُ ما تحدَّثْنا عنه ، حيثُ قال :

وأَشْعَثُ مثلُ السَّيْفِ قد لاحَ جِسْمَهُ ...
..... وَجِيْفُ المَهارى ، والهمومُ الأَباعِدُ

سَقاهُ النُّعَاسُ كَأْسَ سُكْرٍ ؛ فَرَأَسُهُ
..... لِدِيْنِ الكرى ، في آخرِ الليلِ ساجِدُ !

فهل طرقَ سمْعَكَ مثلُ هذا الجمالِ ، في الوصف لمن أصابه النعاسُ آخرَ الليل ؟!

جمالٌ تقفُ قُبَالَتَهُ مَدْهوشاً من جمال العربية ، ومن استطاعة هذا الشاعر الفحل جَلْبَ هذه الصور الرائعة في هذا الباب .

فهذا المُسافرُ أَشَعَثُ من طولِ السفر ، وقطع المفاوز ، فهو بعيدٌ عن التَّرَجُّلِ ، والادِّهان ، فالشمسُ قد لَفَحَتْهُ ، والرياح قد تَذاءبَتْهُ حتى بدا عليه الشَّعَثُ ، فجسمُهُ ضَعُفَ ونَحل من ركوبِه للمهارى ، ووجيفُها به ، فهو يحملُ الهمومَ البعيدة التي تحتاج إلى جهدٍ جهيدٍ للوصول إليها .

ثمَّ نصلُ إلى الرائق من الصور التي نسجها شاعرنا بكل براعة ودِقَّة ، فالنُّعاسُ يُمْسِكُ كأساً من سُكْرٍ ويسقىي هذا الراكب المسافر ، فماذا كانت النتيجَةُ ؟ أصبحَ رأسُهُ يخفق ، والخُفُوقُ هو نزولُ الرأس من النعاسُ ثمَّ الانتباه ، ورفعُه مباشرةً ، فشبَّهَ هذا الخفوقَ ، وهو نزولُ الرأسِ بالسجود لدين الكرى !!

فكأنَّ الرأسَ يسجدُ طاعةً للكرى والنعاس ، مثلُ مُصَلٍّ يسجد لله عزَّ وجلَّ !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد