خطأُ الأديب الزَوْزَني في تفسير كلمة ( الوشم )

mainThumb

02-12-2014 12:48 PM

لقد اعتنى العلماءُ الأَوائلُ بشرح ( المُطَوَّلات ) الجاهلية ؛ كمُطَوَّلةِ امرئ القيس ، ومُطَوَّلة زهير بن أبي سُلْمَى ، ومُطَوَّلَةِ طرفة بن العبد ، ومن هؤلاء العلماء الأُدباءِ القاضي أبو عبدالله الحسين بن أحمد بن الحسين الزَوْزَني ، وشرحُه للمُطَوَّلات السبع شائعٌ ومنتشر في أوساط شُدَاة الأدبِ ، واللغة .
وقد زَلَّ قَلَمُ الزَوْزَني – رحمه الله – في تفسير مفردةٍ من مُطَوَّلةِ طرفة بن العبد ، وسار على هذا التفسير كثيرٌ من الناس ، فرأينا خدمةً للأدب ، واللغةِ أنْ نكشفَ اللِّثام عن الصواب ، وأن نذكرَ أقول المحقِّقين ممن تناولَ هذه اللفظة تناولاً صحيحا .

وننقلُ قولَ الزَوْزَني – أوَّلاً – في تفسيره لهذه اللفظة ، وهي ( الوشم ) ، قال طرفة بن العبد :

لِخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ
..... تَلُوْحُ كباقي  الوَشْمِ  في ظاهرِ اليدِ .

وخولةُ امرأةٌ من بني كلب كما ذكر هشام بن الكلبي ، لها أطلالٌ في ذلك المكان ( برقة ثهمد ) ، وهذه الأطلال تلوحُ كبقية الوشم في ظاهر اليد ، قال الزَوْزَني في شرحه ( 45 ) :

( والوشمُ : غرزُ ظاهرِ اليدِ ، وغيرِهِ بابرةٍ ، وحسو المغارزِ بالكحلِ ، والنقشِ بالنيلج ، والفعلُ منه وَشَمَ يَشِمُ وشماً ، ثم جُعِلَ اسماً لِتِلْكَ النقوشِ ، وتجْمَعُ بالوشامِ ، والوشوم ، ومنه قوله عليه الصلاةُ والسلامُ :  لعن اللهُ الواشمةَ والمُسْتَوْشِمَةَ  فالواشمةُ : هي التي تشمُ اليدَ ، والمُسْتَوْشِمَةُ : هي التي يُفْعَلُ بها ذلكَ ، ثم تبالغُ ؛ فنقولُ : وَشَّمَ توشُّماً إذا تكرر ذلكَ منه وكَثُرَ ) .

فالزَوْزَني يذهب الى تفسير الوشم في بيت طرفة بن العبد بالوشم المُحَرَّم الذي جاء فيه اللعنٌ ، وهو الغرز بالابرة ، وحَشَوُها بالكحل .

ولكنَّ الصوابَ أن الوشمَ هنا هو  الحِنَّاء  الذي تستعملُهُ المرأةُ للزينةِ ، ولِهذا ذهبَ بعضُ المُحَقِّقين من الأدباءِ والعلماء ، ونذكر على سبيل المثال بعضَهم :
قال الآمدي الأديب الناقد في ( الموازنة ) ( 441 ) :

( الوشمُ : أثرُ الحِنَّاء ، وَخَصَّ ظاهرَ اليدِ ؛ لأنَّ دُرُوْسَهُ أسرعُ ... ) .

وقال الحافظُ أبو موسى المديني الأصفهاني في ( المجموع المُغِيْث في غريبي القرآن والحديث ) ( 3 / 418 ) :

(  وشم  في حديث أبي بكر – رضي الله - :  لما استخلفَ عمرُ – رضي الله عنه – أشرفَ من كنيفٍ ، وأسماءُ بنتُ عميس – رضي الله عنها – موشومةُ اليدِ مُمْسِكَتُهُ  : أي ؛ منقوشةُ اليد بالحناء ، ونحوه ، أما النهي عن الوشم ، فإنما جاء فيما يُغَيِّرُ الخِلْقَةَ بالغَرْزِ ، ونحوه ، فيبقى على الدوامِ ، فأمَّا ما يَمَّحي عن قريب فلا يُكْرَهُ لَهُنَّ ) .

وقد استند الآمدي على أنه الحِنَّاءُ – واللهُ أعلم – لما جاء في نفس مطلعِ طرفة من ألفاظ تُقَوِّي ذلك ، منها :

1 – تلوح ، فهذا الفعلُ هو بمعنى اللمعان ، وهذا ما قاله الزَوْزَني ( 45 ) :

( تلوحُ : تلمعُ ، واللوحُ اللمَعَانُ ) .

قال أبو هلال العسكري في ( الفروق اللغوية ) ( 350 ) :

( أنَّ اللمْعَ أصلُهُ في البَرْقَةِ ، وهي البرقُ ثَمَّ الأخرى المرَّة بعد المرَّة ، واللمحُ مثلُ اللمْعِ إلا أنَّ اللَّمْعَ لا يكونُ إلا من بعيد ... ) .

فتلوحُ تكون من بعيد ، وما كان من بعيد فهو ضعيفُ ، ليس بواضحٍ ، وهذا حالُ الحِنَّاء القديمة ، لأنه لو كان وشمَ الغرز بالابرة ، فهذا لا يزول .

2 – كباقي : والوشم المُحَرَّم الذي يكون بالغرز والكحل ، لا يُقالُ فيه :  كباقي  ؛ لأنه لا يزول حتى نقولَ فيه هذا الشيءَ ، بل يُقالُ في الحِنَّاءِ التي لا بقاءَ لها ولا استمراريةَ .

فَلَعَلَّنا بهذا المقالِ أزلنا اللِّثامَ عن المعنى الصحيح الذي قصده الشاعر طرفة بن العبد لكلمة ( الوشم ) !
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد