المـرتـزقة الجـدد : قوة امبريالية ناعمة

mainThumb

24-11-2014 08:34 PM

بعد كل تجاربها المأساوية في التدخل بشؤون الدول الأخرى,وما حملته تلك التدخلات من مآس مهلكة على الشعوب التي عانت منها وما زالت تعاني منها,وما تلحقه من خسائر بشرية ومادية ومالية وأخلاقية بأميركا ذاتها,ما زالت إدارات الولايات المتحدة الأميركية المتعاقبة متمسكة بسياسة دعم النظم الدكتاتورية والفردية والسلطوية أينما حلت تلك النظم,لاقتناع صناع الاستراتيجية السياسية الأميركية التي يلتزم بها عادة الرؤساء المنتخبون, بأن مثل تلك النظم تشكل الضمانة الأكيدة للحفاظ على المصالح  الأميركية ورعاية أطماعها في الدول المبتلاة بهكذا أنظمة حكم.

ما زالت الجهود الأميركية منصبة على الحفاظ على منزلة الدولة الأعظم,والقوة الأولى في العالم دون منافسة.وتشكل وضعية الأحادية القطبية الهاجس الشرس الذي ابتليت به الاستراتيجية الأميركية التي أصبحت القوة الكبرى في تطبيق المراسيم الامبريالية في كافة أنحاء العالم.فقوة أميركا العسكرية وقواعدها البرية والبحرية موزعة على أكثر من 150 موقع في مناطق مختلفة من دول العالم ومن بحاره ومحيطاته,وذلك تيسيراً للدعم اللوجستي لقواتها المنشرة في الأنحاء المتفرقة من العالم,وهي بتعبير آخر مشتتة في حالة تشكل تحالفات دولية مناوئة للسياسات الآميركية في خغرافيا متعددة المواقع في آسيا وبحر الصين وأميركا اللاتينية,وأفريقيا والشرق الأوسط وبعض الجزر المتناثرة هنا وهناك.

التحيز الأميركي للنظم الدكتاتورية في دول لها بها مصالح,واعتبارها ضمانة لتلك المصالح, وحصر التعامل مع الطغاة والمستبدين أعمى بصيرة ساستها الذين تناوبوا على رأس الإدارة عن أهمية دور الشعب في الحياة العامة في مناهضة النظم المستبدة والتابعة للسطوة السياسية والعسكرية الامبريالية وفي موقف هذه القوى الوطنية من السياسات الأميركية المتحيزة والمعادية لأرادات الشعوب وتطلعاتها وسعيها إلى التحرر وتحقيق السيادة على اقرارها الوطني,السياسي والاستثماري والاقتصادي,ولم تحاول,على الرغم من وجود العدد الوفير من مراكزالبحوث والدراسات,والعدد الكبير من الخبراء والدارسين والعقليات الاستراتيجية في مختلف الميادين العلمية والتطبيقية, فَهْمَ سبب كره الشعوب لسياساتهم التي يترجمونها بسؤال ساذج بقولهم لماذا يكرهوننا, وقد استخفوا بعقول الناس بتصريحاتهم الكاذبة والمضللة ومكائدهم الدنيئة, وتحدوا مشاعرهم القومية والتراثية,أي لم يميز بعض قادتهم الفرق بين تراث الشعب الأميركي بما له وبما عليه وبين شخوصهم ومنهجيةإداراتهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصير الأمم الأخرى وشعوبها وظلوا يكررون التساؤل ثقيل الظل لماذا يكرهوننا وكأنهم يتعاملون مع تلك النظم وعلى وجوههم أقنعة تجميلية ولكنها لم تخف حقيقة كونها زائفة ومكشوفة.


ولم تعد بنا حاجة للتذكير في إتقان السياسات الأميركية وأتباعهاالأوروبيون وغيرهم سياسات الكيل بمكيالين أوأكثر,ومواظبةالتحيز ضد حريات الشعوب وضد تطورها,وفعل كل عمل ,دبلوماسي عسكري تآمري وكذلك ممارسة عمليات المقاطعة والحصار الاقتصادي وفرض العقوبات المختلفة على الدول,وادعاء أنها  أي العقوبات مقصود بها القادة ولا تصيب الشعوب,وهذا ادعاء ينقصه الكثير من الذكاء,ويحتاج إلى كم كبير من فهم القيم الإنسانية ومشاعرها البناءة,وهو منطق بلغ من الضحالة والهزل ما بلغه حديث قطر عن دعمها ثورات الشعوب !!!ووصل بهم الأمر إلى فرض عقوبات على الأشخاص,مثلما فعلت بحق علي عبدالله صالح وغيره من الشخصيات اليمنية.وهذه كلها مواقف وتصرفات من شأنها أن تعيق تقدم تلك الدول بأكثر من وسيلة وبأكثر من محاولة للتضليل الإعلامي وأكاذيب حول دعم الديمقراطية  والحرية وحقوق الإنسان في تلك الدول.وهي بحق عقوبات جماعية تكال الأفراد والجماعات ولا تتعدى كونها إرهاب وحشي منمق بثوب منمق برسومات الورود والأزهار.

ترصد الولايات المتحدة الأميركية موازنات ضخمة لأعمال التجسس على الأرض ومن القضاء وتجنيد الجواسيس وتدريبهم وتمويلهم للعمل ضد كل قوة عسكرية أو اقتصادية أو صناعية,أو أيدولوجية يمكن أن تشكل عائقاً أمام مصالحها الاستغلالية والنهبوية.وينصب الاهتمام الأميركي في تجنيد الجواسيس من أبناء الدول الأخرى وتدريبهم على أعمال التجسس وعمليات الاغتيال,وإثارة الشغب والفوضى في مجتمعاتهم كلما تلقوا إشارة من مستخدميهم من ضباط الاستخبارات وموظفيها الكثر والذين يعملون متسترين بأغطية دبلوماسية ورجال أعمال وخبراء وممولين وداعمين لمؤسسات مدنية لتحقيق أغراضهم في التغول على حكومات تلك الدول وعلى ساستها وصانعي القرار بها.....وهذا بمثابة تطورعلى منهجية توظيف المرتزقة للقيام بأعمال ليست بالضرورة عسكرية وقتالية,فقد شهدت انشطة التجسس تغيرات أيضا في وسائلها وفي تقنياتها وفي أشكالها الظاهرة الخادعة والمخادعة.ولعل أبرز تغيير شهدته هو أن المرتزقة يعملون علانية بفعاليات تبدو وأنها مدنية تنموية خيرية كإجراء الدراسات الاجتماعية والدراسات الاستقصائية,وتتبع التغيرات التي تشهدها المحتمعات في المجالات الثقافية ورؤى التيارات والتجمعات والحراكات والأحزاب السياسية فيها ,والإحصائيات المهنية,ونتائج الاستبيانات على عينات مختارة من المواطنين وهي في حقيقتها وسائط إخبارية تجسسية لجمع المعلومات والتعرف على كافة القوى والتيارات والتوجهات الفكرية المؤثرة في الحياة العامة,تبدو وكأن شأنها شأن كل الأنشطة البشرية عن طريق جمعيات مسخرة لخدمة أهداف معدة لها مسبقاً.

وبهذا فإن تلك المجموعات وأو الأفراد الذي وضعوا أنفسهم في خدمة هذا النشاط المشبوه بمثابة مرتزقة جددو يمكن تسميتها بـ المرتزقة الناعمة, لإنها تغطي أشطتها بشعارات وطنية والاتكاء على المناداة بالحرية والديمقراطية .ويظن بعض هؤلاء المرتزقة بأنهم موظفون لخدمة دولة أجنبية كما بعض الزعماء السياسيين وغيرهم من القادة الذين يدعمون توجهاتها ويحافظون على استقرار مجتمعاتها ما دامت تتقي موجات التحرر وحراكاتها تحت المظلة الأميركية الحامية لها ما استمرت في خدمة المصالح المكلفة بها من أسيادها,وهذه هي قصة من قصص الوظائف الخيالية! أي التي تسوق صاحبها إلى مقامات تورط فيها دون أن تترك له فرصة التراجع عما آلت إليه حاله وعما ينتظره من مصير,وليس المرتزق بأقل من الجاسوس خسة ودناءة في توجيه قدرته الشخصية ضد بلده وأبناء قومه وثروات أمته وقيمها.

                   



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد