أثر الاقتصاد على التعصب والإرهاب - 2

mainThumb

16-11-2014 10:11 AM

يعود الانخراط الشبابي,ذكوراً وإناثاً, بالتحديد للعمل مع الجماعات الإرهابية والانخراط في أعمال العنف,إلى أسباب تعود إلى عامل السن نفسه.ففي فترة المراهقة الأولى التي لا تتجاوز العام العشرين من سن الشباب,يكون الخيال الخصب الذي يداعب أحلامهم مركزاً على أسباب الشهرة وإثبات الذات على صعيد عام و أشخاص المشاهير,وعلى البطولة وأشخاص الأبطال في مختلف الميادين العلمية والسياسية والعسكرية والفكرية كل حسب أهوائه ورغباته التي تعتمل في نفسه دون أن تستقر على حال.في هذا السن,يرى الشاب بطلاً في فيلم سينمائي أو شريط فيديو أو يو تيوب فيتهيأ له أن بإمكانه أن يكون هوذاته ذلك البطل,ويتقمص الشخصية ولو لبرهة قصيرة تذهب عند البعض بذهاب المشهد ولكنها تعلق في ذاكرة البعض وتظل تداعب أحلامه.

ولما كانت القوة من مختلف مصادرها,وبمختلف أنواعها ومجالاتها تغري كل إنسان في امتلاكها وفي التمتع بمزاياها,وتداعب أحلام الشباب وأنانيتهم,فقد استحوذت على أذهان الشباب صورها المتعددة في الصراعات الدولية وفي حركات التحرر الوطني على وجه الخصوص.وبلغ الإعجاب الشبابي بالبطولات التي يحققها أفراد في عمليات الكفاح المسلح في بلاد العالم ومن جنسيات دول أخرى وليس بالضرورة من جنسيتهم رفع صور البطل على جدران غرف نوم الشباب وأمكنة إقامتهم وحمل كتبهم وكراساة تتحدث عنهم أينما ذهبوا,كما عليه حال التباهي بالمناضل تشي جيفارا,وكأن للشباب دوراً في بعض فعاليات العولمة الوطنية والتحررية.وكم من لاعبي كرة قدم أو ممثلين ومطربين من الجنسين يحظى باهتمام الشباب وحماسهم في التشجيع واهتمامهم بأخبارهم الشخصية بقدر لا يضاهيه أي إعجاب أو تقدير لسياسي محترف أو اهتمام لمفكرمبتكر أو روائي مبدع أو كاتب متفوق أو عالم رائد في مجاله,أو مبتكر لتقنية يشيع استعمالها بين الشباب أنفسهم.

 في الخصومات المحلية  بين الأحزاب والجماعات السياسية والعقائدية المتضاربة الأهداف والمصالح, والمشاجرات العشائرية,وأعمال العنف الاجتماعي بأسبابها المبهمة(التنشئة الاجتماعية التفكك الأسري,ضعف الوازع الديني...),أو العصية على التحليل الموضوعي لأسبابها على أقل تقدير والتي تخوضها,على سبيل المثال,أطراف وأفراد من الطلبة في المؤسسات التعليمية - التربوية مثل الجامعات والمعاهد والكليات.... يظل مثل هذا العجز عن تحليل سلوك الشباب وتصرفاتهم منطبقا على مواقفهم التي يجدون تفضيلا لها دون قدرة واضحة على تقدير نتائج تلك المواقف.ويعزوا البعض مثل ذلك السلوك الشبابي إلى الحماس(ربما المفرط) لدى جيل الشباب (ذكوراً وإناثاً) الذي تنقصه الخبرة الحياتية المكتسبة بالتجربة الذاتية,وهو بالتالي سهل الانقياد إلى الأفكار الحماسية وتلبية الدعوات إلى الانضمام الالتحاق إلى جماعات حققت انتصارات حربية وقتالية تميزت بالجرأة والشجاعة,أو إلى حركات تتبنى أعمال العنف (ساد في الستينيات تعبير العنف الثوري) في حركات تعمل تحت شعارات التحرر وجهاد التحرير,والتخلص من النظم الدكتاتورية أو القوى الأجنبية المحتلة.وفي دراسات حديثة حول الدوافع المحفزة للعنف المجتمعي استخلص الدارسون أن الأنا المتضخمة  لها قابلية مرنة على ارتكاب أعمال العنف كلما مس تلك الأنا أي تجاوز أو إهمال,أو نقد أو نصح لا يأخذ تلك الصفة بالاعتبار.وليس يخفى علينا أن الظروف الموضوعية في المجتمع تسوق البعض من الشباب إلى حالة من الضياع تذهب بهم إلى تلبية أول دعوة تصل إليه للمشاركة في أنشطة دون تمحيص أهدافها الحقيقية وخطورة نتائجها على مستقبله.

ومن الطبيعي أن تتجاوز أحلام الشباب وأمنياتهم الشخصية قدراتهم الذاتية وإمكاناتهم الفردية على تحقيقها ولهذا يسرعون في الاستجابة لدعوات التشكيلات التي تداعب هذه الأحلام وتحفز الشباب على الانضمام إليها طوعا,ولو دأبت بعض الجهات على توصيف ذلك بخداع الشباب وتضليلهم التي تمارسها تلك التشكيلات,وهي بذلك تحاول تبرئة نفسها من إهمالها لفتح المجال أمام الشباب كي يسلكون المسار الطبيعي في نظم التشكيلات الوظيفية للدولة بقطاعيها العام والخاص بأكبر قدر من المساواة بين فئات الشباب بما يحق لهم أحلامهم عن طريق توفير الفرص العملية في مختلف القطاعات,ومن بينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية,وتوسيع دائرة الخيارات أمامهم ولعب دور مركزي في قضايا مجتمعه العامة حتى يتمكنوا من إثبات قدراتهم الذاتية من خلالها,ويعملون باختياراتهم دون ضغوط أو إغراءات تذهب بهم إلى سلوك طرق يحفزها غضبهم على النظم السياسية والاجتماعية السائدة في مجتمعهم,وعلى افتقاد المساواة بينهم بغض النظر عن انتماءتهم العرقية أو الطائفية أو السياسية والعقائدية أو الجهوية...

حماس الشباب يولد سلوكاً يستبيح الكثير من المحظورات الاجتماعية وتقاليدها السائدة,والكبت من جانب ثان يقود إلى التمرد الذي تُمارس خلال نوبته الخروج على المألوف في السلوك الإنساني المرتبط بقيم الجتمع وأخلاقياته,والشعور بالظلم والقهر يحفز على الانتقام بأي وسيلة وهكذا تتولد ظاهرة اجتماعية يكون ضررها أكبر بكثير من خطرها مهما استفحل ذلك الخطر والمشكوك فيه في هذه الظاهرة هو مصيرها ومصير معتنقيها والمتحمسين لأفعالها.وقد تعلمت فئات كثيرة أن العنف طريق مغلق أمام الأهداف النبيلة,وأن االعمل الإرهابي فيه فقدان شرعية القضية المتبناة.

فنون الإغراءات والإغواء التي تتقن التلاعب بالعواطف وتحاكي الأحلام الشبابية كثيرة وعديدة,وهي اليوم بمثابة علم من العلوم والفنون التي تتلاعي بمصير دول كثيرة ,لا بل أمم عريقة.وقد أسست الدول الأوروبية برعاية أميركية مؤسسات خاصة بتدريب الجيل الشاب على أسس حركات التمرد والعصيان وإثارة الشغب لقلب أنظمة حكم قائمة,ومناهجها التي من شأنها تحويل استقرار المجتمع إلى فوضى لامركزية وغير مركزة تربك قوى النظام الحزبية ومؤسسات الدولة الأمنية,تستطيع من خلالها القوى المتعاونة مع الدول الأجنبية توظيف هذه الحالة للوصول إلى الحكم,كما حدث الثورات الملونة في دول أوروبا الشرقية وكذلك الحال ما حدث في مصر وتسلم الإخوان للسلطة.أو للإبقاء على حالة الفوضى والاقتتال الحرب الأهلية لتحويل الدولة إلى مستوى الدولة الفاشلة وهي حال دول (الربيع العربي) باستثناء تونس التي استعانت بتراثها العلماني على تخطي صعاب تلك المرحلة والسيطرة على مجريات الأحداث.

ولم يكن أي من الشباب المدرب على تلك الأعمال بحاجة لإطعام عائلته أو باحث عن عمل بل كان معظمهم من الطبقة الوسطى في مجتمعاتهم ولم يحركهم الاقتصادالفردي أو العائلي؟. وقد استغرب مثقفون من انضمام فئات متعلمة مثل المحامين والأطباء والمهندسين وغيرهم إلى حركات وجماعات تفرض الطاعة على أتباعها وتفرض عليهم المواقف التي من واجلهم الدفاع عنها وعلى ذلك يؤدون قسم الولاء!!! ولعلنا لا ننسى أن بعضاً من هذه الفئات قد تعلم ودرس على نفقة الحركات والجماعات التي ينتمون إليها, ويعمل لكسب رزقهم في مؤسسات تابعة لها,ومن البدهي القول بأن العلم ليس هو الثقافة,وأن التعلم خطوة أولية نحو التثقف,والتثقف محصلة خبرات تراكمية في القراءة المنفتحة على كل المواضيع وفي المخالطة بين الثقافات والمشاركة في الحوارات التي تخوض في أراء مختلفة,متضاربة,متناقضة.أو متعاكسة,ومن المهم أن نتذكر أن في التعلم نحصن أنفسنا بمهنة نقتات منها ونمضي بها في صنع مستقبلنا ونغذي عقولنا بمناهج تفكير إن لم ننشطها في التبصر بما يدور بيننا وحولنا من قضايا ومن أحداث تتوقف عن النمو, وتنشيط المناهج العقلية عملية تثقف ذاتية وليست سماعية. فالتثقف فيه عبور آفاق رحبة لفهم واقعنا بأسبابه الحقيقة و بكل عناصره الرئيسة والفرعية ومقوماته والعبور به إلى حيث موجبات التغيير والتطور واستدراك عامل الزمن وملاحقة التقنيات المتجددة.
للموضوع تكملة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد