بنو شيطان بطنٌ من كندة

mainThumb

25-10-2014 10:00 AM

إنَّ مسألةَ التَّسَمِّي عند العرب أخذتْ حيِّزاً في حياتِهم ، فكانوا يختارون لأبنائهم ما يروقُ لهم من الأسماء على حسب طباعهم وظروفهم ، ومما أستفدناه من القدماء أن بعض العرب كان يُسَمِّي أبناءَه بأسماء السِّباع والوحوش ؛ لِغايةِ إرهاب الأعداء ، فَسَمَّوا ( أسدا ، وذؤالة ، و كلبا ، ... ) ؛ لأنَّ البيئة كانت بيئةَ غزوٍ ، واقتتال ، وسَمَّوا بأسماء الأمراض :  ( كجُذام ) ، وبأسماء الشجر الشوكي الجارح  ، مثل : ( قتادة ، طلحة ) وسمَّوا بمرارة الطعم مثل : ( حنظلة ) ، كُلُّ ذلك إمعاناً في إلحاق الضرر بالخصوم ، ولو من الجهة المعنوية والنفسية !

بل سَمَّوا أبناءَهم باسم قائد الشَّرِّ ، وحاملِ لوائه ( الشيطان ) ، فهذا شيطان بن مُدْلِج الجُشَمِي !!

وهناك بطنٌ من الحارث الأصغر من كندة يُدْعَوْنَ : ( بنو شيطان ) !

في حين سمَّوا عبيدَهم ، ومواليهم بألطف الأسماء وأرقَّها ؛ لأنها لهم ، وأسماءَ أبنائهم لأعدائهم .

وقد اهتَمَّ الإسلامُ بالأسماء ، غيَّر القبيحَ ، واستبدله بالحَسَنِ المليح ، ووضع للتسمية  فترةً زمنيَّةً للطفلِ حين وِلادَتِه ، مِقدارُها إسبوعٌ ، وإنْ جاءت روايات في جواز التسمية في أوَّل يومٍ من الولادة ، ورَغَّبَ في الأسماء التي فيها تَعَبُّدٌ لله مثل : عبدالرحمن ، وعبدالله ، وأشارَ إلى أصدقها مثل : الحارث وهَمَّام ، وَجَفَّلَ من ( حرب ، ومُرَّة ) .

فالأسماءُ هي عناوينُ الناس ، وفي الغالبِ يكون للمرءِ نَصيبٌ من اسمِه ، وقصَّةُ جَدِّ التابعي الجليل ليستْ عنَّا ببعيد ، فهذا جَدُّ سعيد بن المُسِّيب بن حزن ، وهو الصحابيُّ  ( حزن )  ، أشار إليه رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بتغيير اسمِه ، إلى سهل ، ولكنَّه قال : ( لا أُغيِّرُ اسماً سَمَّانيه أبي ) ، قال سعيدٌ حفيدُهُ : ( فما زالتْ فينا الحُزُوْنَةُ إلى اليوم ) !

وفي أَثَرِ سعيد بن المسيَّب دليلٌ على أن تغييرَ الاسم ليس بواجب ، ولو كان واجباً ما وَسِعَ الصحابيّ حَزْن – رضي الله عنه – مخالفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .

فالأسماءُ كما قلنا - آنفاً - هي عناوينُ حامِلِيْها ، وهي سابِقَةٌ إلى الأذهانِ قبل رؤيةِ أصحابِها ، والمُتَسَمِّيْنَ بها ، فالتَّأني والرفق مطلوب في اختيارها .

ومما يَطْرُفُ في هذا المُقَام الإشارةِ إلى اسم ( عَمْرٍو ) وما جاء فيه :

قال أبو نواس يهجو أشجع السُّلمي ، وأنَّه دعيٌّ في سُلَيْمى :

قُلْ لِمَنْ يَدَّعِي سُلَيْمَى سَفَاهاً
..... لَسْتَ مِنْها ، ولا قُلامَةَ ظُفْرِ

إنَّما أَنْتَ مِنْ سُلَيْمَى كَوَاوٍ
..... أُلْصِقَتْ في الهِجاءِ بِعَمْرِو .

ومسألةُ ( الواو ) في عمرو لها قَصَصٌ مُسْتَلَذَّةٌ  ، تُطْلَقُ على الدَّعي في القوم ، وليس منهم ؛ فِعْلَ ( أسامة عطايا الكوكبي ) و ( إحسان عايش الحسين ) مع قبيلة عتيبة الكريمة !

ومن هذه القصص المُسْتَمْلَحَةُ :

( حُكِيَ أنَّ بعضَ الناس رأى في منامِهِ ؛ أنَّه قد كُتِبَ على ظُفْرِهِ ( واواً ) ؛ فجاء إلى المُعَبِّر ، وقَصَّ الرؤيا عليه ، فقال له : أنتَ دَعِيٌّ في نسبِكَ ، واستشهد بالبيتين ) ، يعني بيتي أبي نواس .

فيجوز لنا أن نُطْلِقَ على الكوكبي أسامة : ( واوَ عمرو ) ، لأنه اختلق انتسابَهُ لقبيلة عتيبة الكريمة في ليلةٍ وَضُحاها !

ومما جاء في صفات الاسم ( عمرو ) ما أشار له المعتزلي الجاحظ  كما نقل ذلك الصفدي في ( الغيث المُسْجَم ) ( 1 / 88 ) :

( وكان الجاحظُ يزعمُ أنَّ عَمْرَاً أرشَقُ الأسماءِ ، وأخَفُّها وأظرفُها وأسلسُها مَخْرَجَاً ، وكان يُسَمِّيْه الاسمَ المظلوم ! ومعنى ذلك الزاقهم به الواو التي ليستْ من جنسِهِ ، ولا فيه دليلٌ عليها ، ولا إشارةٌ إليها
.
ويزعمُ أنَّ هذا الاسمَ لم يقعْ في الجاهليةِ إلا على فارسٍ مذكور أو مَلِكٍ مشهور أو سيدٍ مُطاع أو رئيسٍ متبوع ، ثم إنَّه يقول بعد ذلك : عمرو بن هاشم ، و عمرو بن سعيد الأكبر ، و عمرو بن الأشدق ، وعمرو بن العاص ، وعمرو بن حممة ، و عمرو بن يحيى بن قمعة ، وعمرو بن بن معدي كرب ، عمرو بن وُدٍّ ، و عمرو بن الشَّريد ، و عمرو بن الحمق ،... ثم يحتَجُّ بقول أبي نواس :

فَقُلْتُ له : ما الاسمُ ؟ قال : شَمَرْدَلٌ
..... على أنَّني أُكْنى بِعَمْرٍو ولا عَمْرَا

وما شَرَّفَتْني كُنْيَةٌ عربيَّةٌ
..... ولا أَكْتَسِيْ منها سَنَاءً ولا فَخرا

ولكنَّها خَفَّتْ ؛ فَقَلَّتْ حُرُوْفُها
..... وليستْ كأُخرى إنَّما خُلِقَتْ وَفْرا .

قلتُ : إنَّما كان الجاحظُ  يقولُ هذا ؛ لأنَّ اسمَهُ عمرو ، وكنيتُهُ أبو عثمان ) .
وجاء في ( الجمهرة ) لأبي هلال العسكري ( 1 / 435 ) :

( قولُهُم :  سُمِّيْتِ هانئاً ؛ لِتَهْنَأَ  الهانئُ : المُعْطي ، هَنَأْتُهُ : أعطيتُهُ ، والاسمُ : الهِنْءُ ، ومعناه : إنَّما قُدِّمْتَ ، وَسُوِّدْتَ ؛ لِتَفْعَلَ أفعالَ السَّادةِ المتقدِّمينَ ، وَأَظُنُّ الشاعرَ قد أَخَذَ قولَهُ ، فقال :

أَتَمْنَعُ سُؤَّالَ العشيرةِ بعدما
..... تَسَمَّيْتَ عَمْرَاً ، واكتَنَيْتَ أبا بَحْرَا  ) .

وقد جاء اسمُ عمرو في قيادة الشَّرِّ ، والطعنِ في الصحابة الكرام ، ألا وهو عمرو بن عبيد المعتزلي ، الذي اغتَرَّ به هارونُ الرشيدُ  ، فمدحه ! ولم يُعْرَف مَلِكٌ مدحَ سُوْقَةً إلا في هذا المقام :

كُلُّكم يمشي رُوَيْد
..... كُلُّكُم يَطْلُبُ صيدْ
غيرَ عمرو بن عبيد !

قال الذهبي مُعَلِّقاً على هذه الكلمات : ( اغتَرَّ بزُهْدِهِ  ، وأغفلَ بِدْعَتَه )



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد