مَرُّ السحاب لا ريثٌ ، ولا عَجَلُ
لقد جاء في الشعر وصف مِشْيَة المرأة العربية ، وقد أجاد الوصفَ شعراؤنا أيَّما إجادة في ذلك ! فالمرأةُ هي الأنثى وهي الناعمة واللينة في حديثها وسلوكها ومِشْيَتِها ، فهي متاعُ الرجل الذي يستأنسُ به وتنسيه قساوَةَ الحياة ، فإذا آوى إلى مسكنه ، وجدها بكامل جمالها الحسي والمعنوي ، ولهذا خُلِقَتْ بعد توحيد الله – عزَّ وجلَّ – أما ما نراه من هجمة شرسة من قِبَل أعداء الاسلام على المرأة المسلمة بأنها في قيود وأغلال ترسف فيها كالأسير في أيدي الأعداء ، يريدونها منْحَلَّةً من دينها وشرفها بل من أُنوثتها ، وإن ذكروا الأنوثة ؛ فلافتراسها وتدنيس عِفَّتِها !
المرأة العربية تَغنَّى بها شعراؤنا وذكروا حياءها مدحاً ، ورددوا أنغامَ عفَّتها ، وسترَها .
ومن وصفهم للمرأة العربية ، وصفُ مِشْيَتِها الذي يليق بأنوثتها وجمالها وحيائها ، فهذا الأعشى الجاهلي يُبْدِعُ في نَعْتِ مِشْيَتِها :
وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إنْ الرَّكْبَ مُرْتَحَلٌ
..... وهلْ تُطيقُ وداعاً ، أيُّها الرَّجُلُ
غَرَّاءُ ، فَرْعاءُ ، مَصْقولٌ عوارِضُها
..... تَمْشِيْ الهُوَيْنا كما يَمْشي الوَجِي الوَحِلُ
كأنَّ مِشْيَتَها من بيتِ جارتِها
..... مَرُّ السَّحابَةِ لا ريثٌ ، ولا عَجِلُ
تَسْمَعُ لِلْحلْي وسواساً ، إذا انصرفتْ
..... كما استعانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
يكادُ يَصْرَعُها ، لولا تَشَدُّدُها
..... إذا تقومُ إلى جاراتِها ، الكَسَلُ
فهو يصف مِشْيَتَها بالاعتدال بين البُطْءِ والسُّرْعَةِ ، مثلَ سحابةٍ تسوقها ريحٌ لَيِّنَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لا عاصِفةً ولا مُتَماوِتَةً ، بين بين !
وفي ذكر السحابة نُكْتَةٌ لذيذة وهي : رمز الطهر ورمز الحياة والعلوِّ والرفعة !
فهي أليقُ بالأنوثة واللين والتَّكَسُّر الذي يزيد المرأةَ جمالاً وبهاءً .
قال عمر بن لَجَأ :
أَسِيْلَةُ مَعْقِدِ السِّمْطَين منها
..... ورَيَّا حيثُ تَعْتَقِدُ الحِقَابا
إذا مالتْ رَوَادِفُها بِمَتْنٍ
..... كَغُصْنِ البانِ فاضطربَ اضطرابا
تهادى في الثياب كما تهادى
..... حَبَابُ الماءِ يَتَّبِعُ الحَبَابَا .
قال العلامة الأديب محمود شاكر – رحمه الله - في ( طبقات فحول الشعراء ) ( 2 / 591 ) :
( وتهادتْ المرأةُ في مشيتها : تمايلتْ قليلا في سكون وخيلاء ، والتهادي أحلى مشيهنَّ ، ولكن نساءُ زماننا يُرِدْنَ أن يمشينَ مشياً مُذَكَّرا ! ) .
وصدق محمود شاكر فإنَّ نساء اليوم يتعمَّدن تقليد الذكران في المشية والشكل !
وقد نهى الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يتشبه الرجالُ بالنساء ، والنساءُ بالرجال ، فنحن نرى الأمرين ولا حول ولا قوة إلا بالله !
ومما نُسِبَ إلى مسلم بن الوليد :
مَرِيْضاتُ أوباتِ التَّهادي كأنَّما
..... تَخَافُ على أَحْشائها أنْ تَقَطَّعا
تَسِيْبُ انسيابَ الأَيْمِ أخْصَرَهُ النَّدى
..... فَرَفَّعَ من أعْطافِهِ ما تَرَفَّعا .
قال الخطيبُ التبريزي في ( شرح ديوان الحماسة ) ( 2 / 774 ) :
( والتَّهادي : المشي بين اثنين ، يُقال : رأيتُهُ يُهادى بين اثنين ، ويتهادى ، يصفها بالنعمةِ ، وضعف الحركةِ لِثِقَلِ رِدْفِها ودِقَّةِ خصرها ... والأيمُ الأينُ : الجانُ من الحيَّات ، والحيَّةُ لا تصبرُ على البردِ ؛ لأنَّهُ إذا أَثَّرَ فيها يَبِسَ جِرْمُها ، وتنسابُ : أي تتدافعُ في مشيتها ، ... ) .
فهو يصف مشيتها بالتهادي وهو أحلى مشيِهِنَّ ، كما قال العلامةُ ابنُ شاكر ، وأضاف ابنُ الوليد سببَ هذا التهادي في المشية ؛ وهو ثِقَلُ رِدْفها ودِقَّةُ خصرها ، واهتزاز الأرداف أثناء القيام أو المشي شبَّهَهُ الشعراءُ بكثيب الرمل الذي ينهال ثم لا ينهال !
قال منظور بن مرثد :
جارية بسفوانَ دارُها
..... يَرْتَجُّ عن مثلِ النَّقا إزارُها
قد أَعْصَرَتْ أو قد دنا إعصارُها .
فهو يصفُ ارتجاج الإزارِ الذي يسترُ أردافَها ، بكثيب النَّقا ( الرمل ) المنهال ببطء !
وأعصرتْ الجارية : أي أدركتْ وحاضتْ وأصبحتْ امرأةً .
وكأنّها دخلتْ عصرَ شبابِها .
وقال ابنُ مرثد – أيضا - :
يا حَبَّذا جاريةٌ مِنْ عَكٍّ
..... تُعَقِّدُ المِرْطَ على مِدَكٍّ
مِثلَ كثيبِ الرَّمْلِ غير رِكِّ .
فقد تتابع الشعراءُ على وصف رِدْفِ المرأةِ بكثيب الرمل ، وأن هذا الكثيب يترجرجُ أثناء القيام وأثناء المشي ، وأعطوا هذا الكثيب صفةً زائدةً وهو الابتلال بماء المطر حتى يحافظَ على ثباته رغم اضطرابه وترجرجِهِ .
قال الرَّاجزُ :
جُبْنَ بأَعْجازٍ لَهُنَّ ناوِيَهْ
..... كَأَنَّها الكُثْبانُ غِبَّ ساريَهْ .
والناويهْ : السِّمانُ ، من النَيِّ وهو الشحم .
وقال الآخرُ :
مِثْلُ الكثيبِ إذا ما بَلَّهْ المَطَرُ .
وقال مرداس بن أبي عامر السُّلمي :
إذا هيَ قامَتْ في النِّساءِ حَسِبْتَ ما
..... ُوَيْقَ نِطاقِ العِقْدِ صَعْدَةَ سَأْسَمِ
وأَسْفَلُ مِنْهُ ظَهْرُ دِعْصٍ أَصابَهُ
..... نَجَاءُ السِّماكِ في الكثيب المُخَيَّمِ .
وقال الأخضر الفزاري :
تَلُوْثُ أَثْناءَ اللِّفاعِ الأَتْحَمي
..... بِمِثْلِ دِعْصِ الرَّمْلَةِ المُدَيَّمِ .
والمُدَيَّم : الذي أصابه ماءُ ديمة ، وهي السحابة .
وقال امرؤ القيس في ذلك وأجاد :
كَحِقْفِ النَّقا يمشي الوَلِيْدانِ فوقَهُ
..... بما احْتَبَسَا مِنْ لِيْنِ مَسٍّ وَتَسْهَالِ .
والحِقْفُ : المستدير من الرمل الذي نخلتْهُ الريحُ وجمعتْهُ ، ويمشي الوليدان فوقه ؛ لأنه مُبْتَلٌّ ومتماسك رغم نعومته ولينه .
وقال عبدالرحمن بن حسان :
وإنْ مالَ الضَّجيعُ بها فَدِعْصٌ
..... مِنَ الكُثْبانِ مُلْتَبِدٌ مَطِيْرُ ,
فهم يذكرون أعجازَ النساء بالكثيب الرملي الذي أصابه بَلَلٌ من مطر السماء .
وقال رؤبة بن العجاج :
إذا وَصَلْنَ العَوْمَ بالهِرْكَلِّ
..... رَجْرَجْنَ مِنْ أَعجازِهِنَّ الخُزْلِ
أَوْرَاكَ رَمْلٍ والجٍ في رَمْلِ .
ويقصد بأوراك رمل والج في رمل : أي ولوجُهُ تحرُّكُهُ ، ودخولُ بعضِهِ في بعضِ .
والعوم ، قصد به : مشيتها بلين ، كعائم فوق الماء ، والهِرْكَلُّ : هوضربٌ من المشي فيه اختيالٌ و بُطْءٌ .
كما قال الآخرُ :
قامَتْ تهادى مَشْيُها الهِرْكَلا
..... بينَ فناءِ البيتِ والمُصَلَّى .
وقال الأعشى :
رَوَادِفُهُ تَثْني الرِّداءَ تَسَانَدَتْ
..... إلى مِثْلِ دِعْصِ الرَّمْلَةِ المُتَهَيِّلِ
نِيَافٌ كَغُصْنِ البانِ تَرْتَجُّ إنْ مَشَتْ
..... دَبِيْبَ قطا البطحاءِ في كُلِّ مَنْهَلِ .
فالارتجاج في أعجازِهنَّ حال المشي .
وقال رؤبة – أيضا - :
مَيَّالةٌ مِثْلُ الكثيبِ المُنْهالِ
..... عَزَّزَ مِنْهُ ، وهو مُعْطِي الأَسْهالْ
ضَرْبُ السَّواري مَتْنَهُ بالتَّهْتالْ .
والسواري جمع سارية وهي سحابة تسري بالليل ، والتَّهْتال هو التهتان وهو سقوط المطر وانهلالُه .
فعجزُها مثلُ كثيبِ رملٍ ، أصابه مطرٌ من سارية بليلٍ ، وهذا البللُ يمنعه من الانهيال والذهاب ، وإنْ تحرَّكَ وتَرَجْرَجَ .
قال ابنُ أبي سفيان الغامدي :
ذاتَ شَوىً عَبْلٍ وَخَصْرٍ أَبْتَلِ
..... وَكَفَلٍ مِثْلِ الكثيبِ الأَهْيَلِ .
الشوى : الأطراف كاليدين والرجلين ، العبل : الضخم الممتلئ ، وأبْتَل :
المنقطع ، فالخصرُ من شدَّة دقَّتِهِ يكادُ ينقطعُ ، والكفل : العجزُ فهو ضخمٌ مثل كثيب الرمل الذي يكاد ينهال من نعومته وليونه ! ولكن يمنعه من الانهيال البللُ والذي أصابه من السواري والدِّيَمِ .
ونختم هذه المقالة بقولٍ رائعٍ في وصف مشْيَةِ المرأة وارتجاج الأرداف لتميم بن أبي بن مقبل :
يمشين هَيْلَ النَّقا مالتْ جَوَانِبُهُ
..... يَنْهالُ حيناً ، وينهاه الثَّرى حينا
يَهْزُزْنَ للمشي أوصالاً مُنَعَّمَةً
..... هَزَّ الجَنُوبِ ضُحَى عِيْدانَ يَبْرِيْنا
أو كاهتزازِ رُدَيْنِيٍّ تَدَاوَلَهُ
..... أَيْدِيْ التِّجارِ ؛ فَزَادوا مَتْنَهُ لِيْنا
قال الآمدي في ( الموازنة ) ( 140 ) :
( فشَبَّهَ تميمٌ قُدُوْدَهُنَّ بالرُّدَيْنِي للينه وتثَنِّيْهِ لا غيرَ ، هذا أجودُ من كلِّ ما قاله الناس في مَشْي النساء وَحُسْنِ قُدُوْدِهِنَّ ... ) .
وقال – أيضاً – في ( الموازنة ) ( 355 ) :
( والذي شرحَ هذين المعنيين أَتَمَّ الشرح ، وأَبَرَّ في الوصف على كلِّ مُحْسِنٍ ، تميمُ بن أُبَيٍّ بن مقبل في قوله يصف مَشْي النساء :
يمشين هَيْلَ النَّقا مالتْ جَوَانِبُهُ
..... يَنْهالُ حيناً ، وينهاه الثَّرى حينا .
إنما أراد بقوله : ينهال حينا تحرك أعجازِهِنَّ إذا مَشَيْنَ كما يَتَحَرَّكُ جانبُ الرَّمْلَةِ للإنهيال ، فينهاه الثَّرى ، وهو ما تحته من التراب أو الرمل النَّدِيْ ، وهذا لا شيء أوضح منه ) .
فهذا من أبدع ما وُصِفَ به مشيُ النساء ، فالنساء عند مشيهن تهتزَّ أَعْجازُهُنَّ مثل كثيب الرمل الذي مال للإنهيال إلا أن نداوة الثرى تمنعه من الانهيال ، فهو يوحي لك بالانهيال الا انه متماسك وثابت بسبب ما يمنعه من الثرى ، والثرى هو ما كان تحت التراب من بللٍ ونداوة .
وهي فتاةٌ مُنَعَّمَةٌ ، لم تَمْتَهِنْ فهو أجودُ لنضارتها وطراوتها ، فأوصالُها تهتزُّ ، مثل اهتزاز العِيْدانِ وهو النَّخْل الطِّوالُ ، وريحُ الجنوب إذا جاءتْ - وقتَ الضُّحى – كانت لطيفةً ، لَيِّنَةً تُمِيْلُ النَّخْلَ الطِّوالَ إمالةً رائعةً !
فما أجملَ هذا الوصفَ الذي يتقازَمُ عنده كُلُّ أَدبِ الحداثة إنْ جاز لنا تسميَتُهُ بالأدب .
مهرجان عمان السينمائي الدولي يعلن انطلاق دورته السادسة في 2 تموز المقبل
استشهاد 40 بغارات إسرائيلية وأزمة دم حادة بغزة
الملكية الأردنية تكرم الطيارين تقديراً لعطائهم بمناسبة يوم الطيار العالمي
الخيرية الهاشمية: سندعم طولكرم وجنين نظرا للظروف القاسية التي تمران بها
وزير الداخلية يستقبل نظيره البحريني ويبحثان تعزيز العلاقات الثنائية
الحوثيون يستهدفون حاملة الطائرات ترومان وقصف عسقلان
التلفزيون الأردني 57 عامًا في خدمة المتلقين وثوابت الوطن
وزارة العمل تتأهل لنهائيات جوائز القمة العالمية 2025
سوريا: اعتقال متهم بارتكاب مجازر في اللاذقية
برنامج الأغذية العالمي يعتزم خفض موظفيه 30% عالميًا
ارتفاع أسعار الذهب 70 قرشا في التسعيرة الثانية
إسرائيل ترفض مقترح وقف إطلاق النار لخمس سنوات
شركة البوتاس العربية تعزز وجودها الاستراتيجي في أوروبا
جلسة حاسمة قريباً قد تطيح بــ 4 رؤساء جامعات
مصادر حكومية: الأردن أكبر من الرد على بيانات فصائل فلسطينية
خبر سار لأصحاب المركبات الكهربائية في الأردن
الأردن .. حالة الطقس من الخميس إلى الأحد
توضيح مهم بشأن تطبيق العقوبات البديلة للمحكومين
الليمون يسجل أعلى سعر بالسوق المركزي اليوم
رسائل احتيالية .. تحذير هام للأردنيين من أمانة عمان
الخط الحجازي الأردني يطلق أولى رحلاته السياحية إلى رحاب
مصدر أمني:ما يتم تداوله غير صحيح
أول رد من حماس على الشتائم التي وجهها عباس للحركة
رفع إنتاجية غاز الريشة إلى 418 مليون قدم يوميا
تصريح مهم حول إسطوانة الغاز البلاستيكية
أسعار غرام الذهب في الأردن الخميس