الموقف من اللامركزية

mainThumb

31-08-2014 10:09 AM

خلال برنامج آراء ومواقف الذي يبثه التلفزيون الأردني سأل المذيع أنس المجالي المحافظ رائد العدوان، ماذا عن حل مجالس المحافظات في مشروع قانون اللامركزية الذي اقرته الحكومة، فرد عطوفة المحافظ في وزارة الداخلية: الحكومة هي مخولة بحل مجالس المحافظات بناء على تنسيب من وزير الداخلية وبتنسيب من المحافظ.

وقد كان وقع هذا الرد ثقيلا على البرنامج فاقترح المذيع على عطوفة المحافظ أن يبحث في أوراقه عن جواب آخر وتوجه بسؤال الى السيدة عبله أبو علبة لتعبئة الوقت اللازم للرد، وبعد مرور اكثر من ثلاث دقائق أعَطى المجالي الفرصة للعدوان للرد على السؤال المُعلّق، فكان جوابه كما يلي: لا يوجد نص في مشروع القانون يجيز لأي كان حل مجلس المحافظة المُنتخب، وتكون مدته أربع سنوات.

يبدو أن الدقائق الثلاثة الممنوحة للمحافظ لم تكن كافية للوصول الى نص المادة (34)  وهي كالتالي: لمجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير حل المجلس قبل إنتهاء مدة دورته وتعيين لجنة مؤقتة والدعوة لإجراء إنتخابات خلال مدة ثلاثة أشهر إذا كانت المدة المتبقة لإنتهاء ولايته تزيد على سنة.

نعم أيتها السيدات، أيها السادة القراء، هذه عينة من حوار على التلفزيون الاردني الرسمي مع رائد العدوان، المكلف بمتابعة موضوع اللامركزية منذ سنوات، ولا داعي للخوض في التناقضات الأخرى التي كان مسرحها الفضائية الاردنية بالأمس، إلا أني أجد لزاماً على توضيح الموقف المهني من اللامركزية كما يلي:

1.    إن نظام الإدارة المركزية المتبع في الأردن منذ الإستقلال لم يفضي الى تنمية المحافظات، فتولد شعور لدى الدولة بضرورة إيجاد آليات جديدة تفضي الى تغيير واقع المحافظات لينالها قسط عادل من التنمية، فكانت أول دعوة للحكومات للتحرك بهذا الإتجاه بداية العام 2005 حيث تشكلت لجنة ملكية برئاسة دولة زيد الرفاعي وتمخض عمل اللجنة عن تقرير الأجندة الوطنية والأقاليم.

2.    جمدت حكومة الدكتور معروف البخيت هذا الملف واعيد فتحه في حكومة نادر الذهبي بتشكيل فريق فني للنظر في تنفيذ توصيات لجنة الأقاليم بشكل متدرج، ودراسة تداخلها مع التشريعات النافذة.

3.    بعد سنوات من الإنتظار حتى تهدأ عاصفة الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح الذي إنتشر في كثير من دول المنطقة العربية، أعاد جلالة الملك عبد الله الثاني إبن الحسين فتح موضوع تنمية المحافظات، حيث إرتجل في خطبة العرش لإفتتاح الدورة غير العادية للمجلس النيابي السابع عشر وقال كلاماً يمكن وصفه بالتاريخي الذي حدد ملامح المملكة الرابعة والتي تمحورت حول فكرة اللامركزية وترك التفاصيل للحكومات للإتيان بالحلول التي تنسجم مع هذا التوجه.

4.    تحركت الحكومة الحالية لتنفيذ توجيهات جلالة الملك، فقام دولة رئيس الوزراء/ عبد الله النسور بتشكيل لجنة وزارية إختار لرئاستها معالي وزير الداخلية فوضع (حُكماً) سقفاً لقراراتها والتي أسفرت عن إصدار نظام (وليس مشروع قانون) كي تبقى العملية بأسرها تحت مظلة وزارة الداخلية، فقد أطل علينا قبل أشهر كل من وزير الداخلية (المجالي) ووزير البلديات (المصري) من خلال برنامج ستون دقيقة للحديث عن اللامركزية، حيث خلصت اللجنة الوزارية بإعداد (نظام) الإدارة اللامركزية لمجالس المحافظات الصادر بمقتضى المادة 120 من الدستور، وقد توسع الوزراء بتعداد مناقب (نظام اللامركزية) لكونه يعطي الحكومات المرونة في التطبيق خلافاً لتطبيق الفكرة من خلال (قانون اللامركزية) حيث يحتاج الموضوع لوقت أكبر ويصبح التعديل أكثر صعوبة.

5.    فَردت المواقع الإلكترونية وشاشات التلفزة صفحاتها للترويج لنظام اللامركزية، وتجلى الدكتور نوفان العجارمة، في الترويج لهذا النظام على اساس انه الحل الأمثل لدفع الأردن نحو التنمية المستدامة . وتعالت أصوات بعض المختصين في موضوع التخطيط الإقليمي (ومنهم كاتب هذه السطور) لإنتقاد نظام اللامركزية، وتفجئنا بتغيير الحكومة لموقفها وتم سحب النظام من ديوان التشريع والرأي، ليصار الحديث عن قانون للامركزية بدلاً من النظام.

6.    أقر مجلس الوزراء الموقر الاسباب الموجبة لمشروع قانوني اللامركزية والبلديات بتاريخ 3 آب 2014 وتم إرساله الى ديوان التشريع والرأي، وعاد الوزراء المجالي والمصري للظهور الإعلامي للترويج لمشروع (قانون) اللامركزية على أنه الحل الأمثل، والبلسم الشافي الذي سيضع الأردن في مصاف الدول المتقدمة خلال فترة قصيرة من الوقت. قُصر الفترة الزمنية بين إطلالة معالي الوزراء الكرام للترويج (لنظام اللامركزية) أولا ومن ثم (قانون اللامركزية) جعل المهتمين بالتنمية المحلية في حيرة من أمرهم لهذا التحول السريع من النظام الى القانون.

7.    لاحظ الفريق العامل في وحدة التنمية في وزارة الداخلية بأن الأصوات المناوئة لمشروع القانون قد علت، وبينت مثالب هذا القانون ومنها تعدد المجالس (محافظة وتنفيذي وبلديات) وربط اللامركزية بالمحافظ كحلقة وصل مع وزير الداخلية ومن ثم الحكومة، فقامت بالطلب من الحكومة سحب مشروع القانون الجديد جداً، آخر طبعة لإعادة النظر ببعض المواد في القانون بحجة التعديلات الدستورية الأخيرة التي تطال آلية الإنتخاب.

عتبنا على الحكومة كبير للتسرع في سلق الأنظمة والقوانين على طريقة طنجرة الطبخ (البريستو) ونعتقد كمتابعين للشأن التنموي بأن مشروع قانون اللامركزية في شكله الحالي لم ينضج بعد، وان إقراره على طريقة البريستو سيتسبب في إحداث إرباك كبير في العمل البلدي والتنموي في المحافظات. لذا فنحن ندعو الى فتح حوار وطني حقيقي لمناقشة مناقب ومثالب هذا القانون الإصلاحي، ونحن مستعدين للدخول في مناظرة على اي من وسائل الإعلام الحكومية أو الخاصة للتحاور بكل شفافية حول هذا الموضوع الهام، فهل من مُنازِل. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد