مِنَ الجَآذِر ِ في زِيِّ الأعاريبِ ..

mainThumb

29-08-2014 02:44 PM

لقد أباح الاسلام اللباس إلا ما جاء فيه نصُّ تحريم على الرجال كالحرير ، أو ما فيه تفصيل للعورة للرجال والنساء ، أو ما كان فيه تشبُّهٌ بالكفَّار ، أو ما كان فيه شهرة ... وقد تكلَّم علماؤنا في ذلك ، وأشبعوه شرحا وتوضيحا يُؤْخذُ من مواضِعِهِ .

ولقد حدث خلافٌ قديم بين أهل العلم حول لُبْس الثياب ( الحمراء ) ، حتى وصلتْ الأقوالُ إلى ثمانية أقوال في المسألة .

والراجح ما ذهب إليه الشوكاني وغيرُه وهو الجواز ... والله أعلم .

وسوف نذكرُ اللباس الأحمر عند نساء البدو – خاصةً - وتعلقَهم بها ، وهي من أرقى الألبسة وأجملها .

قال أبو الطيب المتنبي يصف البدويات ولباسَهُنَّ ، وانهن بعيدات عن زيف التَّمَدُّنِ وبريق الحضارة :

مِنَ الجَآذرِ في زِيِّ الأعاريبِ
..... حُمْرَ الحِلَى ، والمطايا والجلاليبِ

إنْ كنتَ تَسْأَلُ شَكَّاً في معارِفِها
..... فَمَنْ بلاكَ بِتَسْهيدٍ وَتَعْذِيْبِ

ما أَوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحْساتُ بِهِ
..... كَأَوْجُهِ البدوياتِ الرَّعابيبِ

حُسْنُ الحضارةِ مَجْلُوْبٌ بِتَطْرِيَةٍ
..... وفي البَدَاوَةِ حُسْنٌ غيرُ مَجْلُوْبِ .

فأبو الطيب يصفُ حُلِيَّ البدويات من القلائد والخلاخل والأقراط والأساور من الذهب الأحمر دون الأصفر ، وهذا ديدنُ البدو يحبون اللون الأحمر حتى في حُلِيِّهم ، ثم يصف اللباس ( الجلاليب ) بأنها حمراء بَرَّاقة !

قال الصفدي ( الغيث المُسْجم ) ( 1 / 384 ) :

( ولا شكَّ أن اللباسَ الأحمر يزيدُ الحُسْنَ رونقاً ، ويفيدُهُ روعةً زبهاءً آخرَ ، قال أبو جُحيفةَ – وهب بن عبدالله السَّوائي - :  ما رأيتُ ذا لمَّةٍ سوداءَ في حُلَّةٍ حمراء أحسنَ من رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  ) .

قال الطُّغْرائيُّ صاحبُ لاميَّة العجم ، وصفاً نساء العرب :

يَحْمُوْنَ بالبيض ، والسُّمْرِ اللِّدانِ به
...... سُوْدَ الغدائرِ حُمْرَ الحِلْي والحُلَلِ .

وهذا نفسُ وصفِ أبي الطيب المتنبي ، فَحُلِيِّهنَّ الذهب الأحمر ، والحُلَلُ الحمراء ، وهي البرود اليمانية ، ولا يُقالُ لها : ( حُلَّةٌ ) إلا إذا كانت من إزارٍ ورداء .

فاللونُ الأحمر من رغائب البدو إلى الأن ، حتى أن المُشاع بين طبقات المجتمع العربي من ( حضر وريف ) أن البدو من عُشَّاق اللون الأحمر !
وقال الطُّغْرائيُّ - أيضا - :

مِنَ الظَّباءِ اللواتي لا ذِمامَ لها
..... مِنْ أينَ يَعْرِفْنَ رَعْيَ العَهْدِ والذِّمَمِ
بيضُ التَّرائبِ سُمْرُ الخَطِّ يَحْجِبُها
..... سُوْدُ الذَّوائبِ حُمْرُ الحَلْيِ والنَّعَمِ .

وهنا اللون الأحمر مطلوبُ لدى البدو حتى في الإبل ، وهذا يُذَكِّرُنا بحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم - :

( لَأنْ يَهْديَ اللهُ بِكَ رجلاً واحدا خيرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعَمِ ) .

وهم يحبون اللون الأحمر في الأغطية التي توضع على ظهور الإبل ( الاشداد ) .

وقال ابو الطيب قبل الطُّغْرائي :

بِكُلِّ فَلاةٍ تُنْكِرُ الإنسَ أَرضُها
..... ظَعائنُ حُمْرُ الحَلْيِ ، حُمْرُ الأيَانِقِ .

فهو يصفُ الظَّعائنَ – المرأةُ في هوْدَجها على ظهر البعير – من لابسات الذهب الأحمر ، وهذه الأيَانق - وهو جمع الأَيْنَق ، والمفرد ناقة – حُمْرٌ وهي أفضل الألوان في إبل العرب كما مرَّ في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .

والبدو – أيضا – يحبون ويفضِّلون اللونَ الأحمر في البُسُطِ التي توضع للضيف في النادي ( الشِّق ) ، فهذا اللون يحتلُّ جزءً كبيرا من ثقافة البدو !




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد