اندلعت حرب غزة واستخدمت اسرائيل كل وسائلها في الإبادة الجماعية وأصبح همهما أن تقتل وتدمر ما تمكنها ألة القتل والإجرام فيها من قتله وتدميره. وفي الوقت الذي ما زالت تصمد المقاومة في غزة صمودا اسطوريا في وجه الصهاينة وتلقنهم دروسا لم يعهدوها في أساليب القتال والإرادة فإن أهل غزة ،حماسها وجهادها وأخواتهما من ثمانية عشر فصيلا من فصائل المقاومة، لم تتفاجأ بما تفعله اسرائيل فهذه الحرب الثالثة التي تشن على غزة ولم يعد الغزيون يجهلون مقدار حقد عدوهم ولا يقللون من ترسانته ومقاصده في النيل من هذا الشعب الصابر المرابط .
أهل غزة ومعهم السواد الأعظم من الأمة العربية يؤلمهم ولكن لا يفاجئهم تخاذل الأنظمة السياسية العربية ووقوفها متفرجة على الحمم الملقاة على بيت حانون وخزاعة والشجاعية وخان يونس فقد ألفو هذا التخاذل من قبل ولم يعد الغزيون يحسبون أو يركنون الى أي دعم عربي لنضالهم ضد الصهاينة .المفاجئ لأهلنا ولقيادات الفصائل هو أن تتعاون قيادات عربية جهارا نهارا مع اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على المقاومة وتركيعها . لم يعد خافيا على أحد فضيحة مستشفى الهلال الأحمر الإماراتي وتورط كوادره في تجميع معلومات استخبارية والتجسس على المقاومة وخصوصا مواقع إطلاق الصواريخ ولصالح إسرائيل . وتطالعنا تقارير إخبارية عن قيام الإمارات والسعودية بتمويل الحرب على غزة وقيام قيادات هاتين الدولتين بقطع الوعود لإسرائيل بفتح سفارتين لها في عاصمتي الدولتين العربيتين الشقيقتين .أما مصر فإن قيادتها السيسية لم تعد قادرة على إخفاء انخراطها في جهد تعاوني مشترك مع إسرائيل لاجتثاث حماس وتجريدها من أسلحتها لا بل فإن السلطات المصرية وبوقاحة غير مسبوقة تحقق مع جرحى المجاهدين الذين وصلوا الى مدينة رفح المصرية للعلاج وذلك من أجل الحصول على معلومات عن مواقع الانفاق . أما في الأردن فموقف الحكومة الرسمي مؤيد للمبادرة المصرية وأنا أعتقد بأن موقف الدولة الاردنية متسق تماما مع موقف مصر والسعودية.
المواقف الشعبية العربية مواقف أصيلة وتتناقض مع مواقف القيادات السياسية في الدول العربية وهذا برأينا سيشكل بؤرة لزلزال قادم أو مقدمة لربيع عربي ثاني تنتفض فيه الشعوب لكرامتها وانغماس قياداتها في التواطؤ مع الأعداء واتخاذ مواقف متناقضة مع تطلعات الشعوب. لا يمكنني أن أصدق أو أقتنع بأن المواطنين العرب في طنجة ومراكش والدمام والمنامة والشارقة وأبو ظبي ومعان وإربد يقفون الى صف اسرائيل ضد أبناء دينهم وجلدتهم !!لا يمكنني أن أصدق بأن أهل الجوف وتبوك والرمثا وخورفكان والعين والفجيرة يمكن أن يمولوا حربا على أهل غزة أو وتتشفى صدورهم بالصواريخ والقذائف التي تمزق أشلاء اهل غزة. هذا البون الشاسع بين المواقف الرسمية والمواقف الشعبية في الدول العربية وخصوصا القريبة من فلسطين أيتها الأخوات والإخوة هو الذي سيكون الوقود والمحرك للربيع العربي الثاني. شعوبنا أصبحت تدرك بما لا يدع مجالا للشك أن أنظمتها السياسية لم تعد تتحدث بلسان حالها وأن هم وأهداف هذه الأنظمة وقياداتها هو الاستمرار في الحكم والاستبداد حتى لو كان ثمن ذلك تحالفها مع أعداء الأمة .
الربيع العربي القادم سيكون له استحقاقات ومتطلبات بسقوف عالية فالإصلاح القانوني والتشريعي ومكافحة الفساد السياسي والمالي والاداري لم يعد يقنع الجماهير العربية فهي أصبحت شعارات تنادي بها الأنظمة نفسها والنخب التي تدور في فلكها وتستمتع في الالتفاف حولها والضحك على شعوبها. لن تثق شعوب بعض الدول العربية بنزاهة ومصداقية وحتى وطنية زعمائها أرباب اليهود وصنائع الإنجليز وعبيد الأمريكان وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.