غزة ... قطعة من ارض فلسطين , لها في الحاضر مواقف كما لها في الماضي , ويمتاز تاريخ غزة بأشياء عدة من أهمها ان منها دليلة التي اذلت شمشون الجبار ملك اليهود , وفيها يرقد هاشم جد النبي عليه الصلاة والسلام والذي الى اليه ينتسب الهاشميون , ومنها جاء الشافعي صاحب المذهب الشهير في الإسلام .
ويمتاز حاضر غزة بالعديد من الصفات , فهي ارض مقاومة عنيدة في كل حروب العرب والإسرائيليين , وهي على صغر مساحتها محتضن حنون لمهاجرين انتكبوا في فلسطين عام 48 , وهي المكان الأكثر اكتظاظا في العالم , ويقال ان بحر غزة من اغنى بحور الأرض في الغاز الطبيعي.
تفتقر غزة للكثير من المتطلبات العادية في الحياة , فمياه الشرب فيها محدودة , والكهرباء فيها محدودة , والمحروقات فيها غير كافية , والمجاري فيها مضروبة , والأسواق فيها ضعيفة , والاحتياجات الإنسانية للحياة الكريمة البسيطة نادرة.
اضر بها الكثيرون بالتعاقب , قايضوها بأمنهم الخاص , استعملوها أداة ضغط ليجنوا من ضغطها ثمار لهم , حملوها في أيديهم سيفا يقارعون به خصومهم عند اللزوم وفي كل مرة يستسلمون ويكسروا السيف قبولا لشروط الذين ينتصرون عليهم , سجنوها وضيقوا عليها الخناق ومنعوها ان تصرخ او تطلب النجدة , ومنعوا من أراد بحس انساني ان يقدم لها لقمة نظيفة من ان يصلها.
قررت غزة بناء على كل ما سبق , ان تحرر قيدها , وتخرج من حصارها , وتقارع خصومها نيابة عن نفسها , ولان وضعها خاص مارست الانتفاضة بطريقتها الخاصة , قررت الاقتداء بأذكياء الحرب والمقاومة لا بالمستعرضين منهم , فجمعت السلاح بكل ما تستطيع من جهد في كل فرصة متاحة , حفرت الانفاق في كل اتجاه وضربت الحصار بالمعاول والمقاطف , استمعت لقول الرسول عليه الصلاة والسلام في موضوع مقارعة الأعداء عندما قال " نصرت بالرعب من مسيرة شهر " فصنعت صواريخ من نوع خاص , صواريخ إنسانية بحته , لا تقتل المسالمين من الأعداء ولكنها ترعب وترهب قياداتهم وساداتهم , واستطاعت بإمكانياتها المحدودة وبمواسيرها المحولة الى صواريخ والتي صارت صواريخ إنسانية مرعبة ان تخلق التوازن على الأرض , هذا الذي كان مطلوبا في كل حروب العرب مع الإسرائيليين ولم يتحقق الا في بدايات معارك العبور عام 73 ورمضان عام 2014.
كل الغزاويين حاربوا بدون استثناء , ولكن غالبية المقاومين كانوا هذه المرة من الجماعات الإسلامية , وفي ذلك ميزات وعيوب , اما الميزات فهي ما صنعته المقاومة من توازن مع الإسرائيليين وما تبعه من نتائج كنزول الإسرائيليين للملاجئ وكانتقال حالة الرعب للاقتصاد والسياحة وما الى ذلك , واما العيوب فهي في كون قيادات المقاتلين ليسوا على قلب رجل واحد , وكان ذلك سيكون مقبولا لو اننا نتحدث عن المقاومة بشكل عام اما عندما نتكلم عن المقاومة الإسلامية فالأمر غير مفهوم لأننا بحاجة لنعرف بل نتساءل فما الفرق !؟
يأخذنا هذا التساؤل الى موضع اخر فيه من الحساسية ما يثير القلق , فاذا ذكرنا على سبيل المثال النصرة وداعش والاخوان والتحريريين والازهريين والسلفيين والحوثيين وحزب الله والوهابيين ونعرف انهم كلهم يحملون اعلاما تدل على مفاهيمهم واحدة قاعدتها تقول لا اله الا الله محمد رسول الله , وكل الفرق المعلن هو في الوان اعلامهم فاين نذهب وأين نتحه ؟
ان كان ما يفرقهم بسيط كالفرق بين الشافعية والحنبالة فإننا سنقبل ذلك لأننا نعرف يقينا انهم كانوا في السابق حملة اعلام مختلفة في الدولة الواحدة والفكر الواحد والاتجاه الواحد , اما ان وصل الخلاف بينهم الى حد التقاتل والتناحر فإننا سنظن انهم لا يجمعهم فكر واحد ولا عقيدة واحدة , اذا ما الذي يجمعهم؟
كما اننا نرجو اولو العلم من اشياخنا ان يشرحوا لنا ماذا يجري؟ وماهي الفروقات الفعلية وما هو الصحيح وما هو غير الصحيح لكي نتجه اليه بقلوبنا وعقولنا وربما اموالنا. فالأخوة في داعش يطلبون البيعة والاخوة في النصرة يطلبون النصرة والاخوة في غزه يطلبون الدعم المادي والمعنوي؟ وعلى المسلمين خاصة والناس عامة ان يفعلوا شيء ما فما هو يا اشياخنا؟
سالت أحد العارفين أكثر مني مرة فقال "استفتي قلبك" قلت قلبي مع كل هؤلاء فكيف يكون الموقف من قبلي وبينهم كل هذه التناقضات؟ ماذا افعل وكيف افعله؟
اليس في الامة من صوت رشيد يجمع هؤلاء ويقرب وجهتهم من بعضها ليسدد رميهم؟ وان لم يكن ذلك فستبقى غزة فيلما جذابا وحلبة مصارعة مثيرة ممتعة للمشاهدين وسيتوقف الاستمتاع بها مع توقف المعارك كالسابق .. وتعود المعاناة لبيوتها وأهلها وشوارعها وسيبقى الماء شحيحا والكهرباء مقطوعة والسجن سيتسع ويعاد تنظيمه ربما بسجان جديد، وستبقى الامة في حيرة من امرها اين تقف وماذا تفعل وكيف تقف الى ان يتضح الامر ويتميز الأبيض من الأسود.