ما زالت اتفاقية سايكس – بيكو الاستعمارية التي قسمت الوطن العربي إلى مجموعات من الدول التي وضعت قوى الاستعمار الفرنسي والبريطاني نفسها قيمة على مصيرها وعلى مستقبلها تمثل هاجسا من هواجس الخوف على مستقبل الأمة,وهي تلوح في الأفق العربي بكل وضوح لا تغادر دائرة الفكر التقسيمي والتفتيتي لما تم تقسيمه وتجزئته سابقا من الوطن العربي.
بعض الخصائص الأولية للدول الفاشلة التي وضعها نعوم تشومسكي,الغني عن التعريف لمواقفه الفكرية النقدية للسياسات الامبريالية وأهدافها العدوانية,شملت هذه الحصائص : عدم القدرة , أو عدم الرغبة في حماية مواطنيها من العنف وربما الدمار نفسه؛والأخرى النزعة إلى اعتبار نفسها فوق القانون,محلياً كان أم دولياً وبالتالي إطلاق يدها في ممارسة العنف وارتكاب العدوان ؛وهي تعاني من عجز ديمقراطي خطير يجرد مؤسساتها الديمقراطية الرسمية من أي جوهر حقيقي.ويرى أن هذه الصفات للدولة الفاشلةكما يقول: في عقر دارنا (أي الولايات المتحدة الأميركية).
تمثل وجهة النظر هذه التي يلخص فيها تشومسكي بعض صفات الدولة الفاشلة النظرة الأخلاقية ,ومعاييرالوظيفة الطبيعية للدولة التي لا يجب أن تتخلى عنها أو تتجاوزها لأي سبب كان.وإن تجاوزها,كما تفعل المؤسسة الامبريالية لا يأتي سوى من دوافع الحقد والضغائن والشعور بالفوقية العنصرية تجاه الشعوب الأخرى التي لم تساعد نفسها ولم تعي طبيعة صراع القوى في التاريخ,حيث يفقد القوي الحكمة والرحمة في صراعه مع من هم أضعف منه,مأخوذاً بسلطان القوة وطغيانها.ووجهة النظر الثاقبة هذه,تصف فشل الدولة القوية المقتدرة اقتصادياً وعسكرياً ومالياً في وضع القيم الإنسانية في صلب أدبياتها وتجعل منها منصة واضحة المعالم لسياساتها ومواقفها أزاء الدول الكثيرة الأخرى.إنه الفشل في الدور الملتزم النمط الأخلاقي في السياسة وفي الاقتصاد وفي العلاقات الدولية للدولة القوية.
الدولة الفاشلة في المعنى الحرفي للمفردة,تتصف بعدة صفات بعضها أو كلها يسم الدولة بالفشل,يمكن أن نذكرمنها : دولة فقدت مرجعيتها الدستورية والقانونية؛وافتقد مواطنوها الأمن والأمان؛وانهارت مؤسساتها بعجزها عن ممارسة وظائفها الطبيعية والدستورية فذهب استقرارها وانتهكت سيادتها؛وتناحرت قواها وجماعاتها وأحزابها وتفاتلت واحتكمت إلى لغة السلاح تمارس القتل العشوائي والإرهاب الأعمى طمعاً في السلطة؛وفتحت أبوابها لتدخلات القوى الخارجية على مصراعيها؛وتشرذمت السلطة فيها إلى أجزاء تتبع قوى عنصرية وطائفية وإثنية ومذهبية..
وهي بوجه عام دولة فقدت توازنها السياسي وأهدرت استقرارها الاجتماعي,وذهبت إلى المستقبل المجهول, وأهدرت ثروتها البشرية والاقتصادية,وحطمت بيدها بناها التحتية وهياكلها المؤسسية,وتبعثرت قواتها المسلحة بين أطرافها المتقاتلة ففقد الوطن أمنه وسيادته ,وأصبحت بلداً مستباحاً,يسهل على كل الطامعين من قوى خارجية ومن عصابات التهريب وتجار الحروب العمل فوق أرضها بحرية وسهولة.
لم نعد بحاجة إلى الجدل حول أن استهداف القوى الوطنية بشكل عام والقومية منها على وجه الخصوص,في منطقتنا في المشرق العربي شكل وما زال يشكل الشغل الشاغل لقوى أميركا والغرب منذ اكتشافهم لثروات المنطقة الطبيعية وقيامهم بزراعة الجسم الصهيوني الغريب في أرض فلسطين على حساب أهلها وأبنائها,واعتماد تجزئة الوطن العربي برمته وتنصيب حكام طائعين له,أو ترضية لعدم وفائهم لهم بوعودهم إثر نجاح الثورة العربية الكبرى.
ولكن ومنذ أن بدأت ظاهرة (الثورات الشعبية العربية!!!) التي تخطط لها وتحرك أطرافها وتديرها تلك القوى وتعبئها بالمقاتلين وبالسلاح وبالمال المهدر من ثروات البترول العربي وتحولها دون مقدمات وبحملات إعلامية تضليلية إلى حروب أهلية طاحنة تمارس القتل على الهوية وتنشر الرعب والخوف بين الآمنين لتهجيرهم,وبروزمصطلح الدولة الفاشلة التصنيفي والتوصيفي,فإنه على ما يبدوأن هناك تحولاً في الأسس الاستراتيجية الغرب – أميركية المعدة للإبقاء على العرب وعلى أوطانهم في حالة التردي والضياع من الفوضى والاقتتال ونهم بعض القوى المتخلفة في رؤاها للعصر للوصول إلى السلطة بأي ثمن وبأي وسيلة ومن ثم تسير كما تتوهم في طريق قيادة الوطن وإعادة صياغة المجتمع حسب أهوائها,وهي رؤية فقدت كل معانيها ولم تعد صالحة منذ زمن طويل.
والمبدأ الأساسي في تلك التحولات هو تحويل الدول العربية المقصود تدميرها إلى أوضاع الدولة الفاشلة دون الحاجة إلى تجزئتها سياسياً وإدارياً,وهذه الأوضاع تخدم مصالح الأميركي – الغرب – الصهيوني,وحلفائهم والمتواطئين معهم والمستنجدين بهم من النظم العربية وبعض القوى والتيارات السياسية وقوى (المعارضة !!) بقدر من الفوائد أعظم بكثير من تجزئة المجزأ وخلق دويلات على أسس دينية,وأو قومية,وأو إثنية وأو عرقية,وأو طائفية –مذهبية, وأوثقافية ... لأن خلق مثل هذه الدويلات يتطلب تدخلاً مستمراً من تلك القوى العدائية للحفاظ على استقرارها الهش,ومعالجة المشاكل العديدة اليومية التي قد تقوم كل يوم بينها مما يستدعي إشغال تلك القوى الباغية وهيئات الأمم المتحدة ومنظماتها.أي إن قيامها لا يحقق استقراراً في المنطقة كما يرغب به ويريده المقيمون في البيت الأبيض في واشنطن,و10 دواننج ستريت في لندن.
تحويل الدول العربية الوطنية المتنورة إلى دول فاشلة ربما أصبح الهدف الاستراتيجي للامبريالية ومن يدور في فلكها من المتحقين بها تلقي بهم إلى الظلمات عندما تعافهم,وما يحدث في ليبيا وفي سوريا وفي مصر وفي تونس وفي العراق من إدامة دوامة القتل والنهب والخراب,لا يدحض هذه النظرية الجديدة في قاموس قوى تمرست بالعداء والجشع والطمع عبر تاريخها منذ عدة قرون خلت,ووجدت في الوطن العربي مرتعها وساحة تسرح وتمرح بها بترحيب محلي!!؟؟.