المعايير المزدوجة بلا قيم أخلاقية 3

mainThumb

07-05-2014 10:43 PM

تزخر يومياتنا في أحداث حياتنا العامة في أي قطر من أقطارنا العربية بالأمثلة الحية والواضحة على تعاملات الكيل بمكيالين, وعلى ازدواجية  المعايير بين الأفراد والجماعات, كما تتجلى هذه الأمثلة في السلوك الحكومي عادة إزاء القضايا العامة التي تتولى الحكومة إدارة شؤونها, وتكون دوافع هذه التصرفات على الغالب نابعة من منطلقات اجتماعية أو تراثية أو ترضوية, أو لأغراض تهدئة خواطر أومنعاً لتفاقم مشكلة عائلية أو عشائرية.

ونرصد المواقف الإقليمية والدولية المرتبطة بقضايانا والتي تتعلق بقراراتنا السيادية المفترضة, كدول مستقلة (ولو شكلاً كما في بعضها) ذات سيادة, لنلاحظ مدى الاستهتار بالمواقف العربية التي تتخذها حكومات قضت الحقبة الأكبر من حكمها في خصومات حادة, واختلافات جذرية حول قضاياها الوطنية, واحتربت جيوشها, فاستغلت الدول الغربية – الأميركية, التي كانت السبب المباشر وراء كل خلاف أو عداء أو تناقض في المواقف بين حكومات هذه الدول, وتحرض أطرافها على التصعيد وتأخذ جانباً دون آخر إضافة إلى تنامي أطماع الدول الإقليمية لاستغلال هذه الأوضاع الغريبة والشاذة لتجيرها لخدمة مصالحها التي وجدت إنها تتحقق بتصعيد الخلافات العربية – العربية, وتفتيت عرى التآخي القومي بين مكونات مجتمعاتها, والتحريض على الصراعات الطائفية البغيضة بين طوائفها في حين أن مثل هذه الاختلافات تعبرعن تعددية طبيعية وتنوع أساسي في مكونات كل المجتمعات الإنسانية التي وعت مسار التطور والترقي, وتعمل القوى الطامعة على إبقاء أوار الصراع في المجتمعات العربية بالتحديد مشتعلاً لأسباب شتى إن غاب أحدها أحييوا بديله الجاهز في جعبتهم,حيث يرتهن مستقبل بعض النطم العربية بإدامة هذا التناقض وما يخلفه من صراع دام تلعب فيه دورا  مباشرا ً أوغير مباشر.

دول عربية تحارب الديمقراطية في مجتمعاتها وتكفرها في أدبياتها تدعم الأعمال الحربية الأجنبية, بالمال والإعلام والمرتزقة في تدمدير دول عربية من أجل إقامة الديمقراطية المدعاة فيها, وتحويلها إلى دول فاشلة!! وتترك شعبها  نهباً للتشرد والجوع والضياع. ثم يتنادون هم أنفسهم لعمل الخير بالتبرع بالغذاء وإقامة المخيمات البدائية لإيواء أناس عاشوا كرماء في أوطانهم, وإرسال المساعدات الطبية وغيرها. يدفعون مليارات الدولارات لتهجير الناس وتشريدهم وذبحهم, وعدة حفن من الدولارات لإطعامهم بالقليل مما يقيتهم!! وهذه التصرفات ليست معايير تكتفي بصفتها بالازدواجية الكاذبة والنفاقية, وإنما تتجاوز ذلك إلى الدلالة على مدى ما يمكن أن تنحط إليه أفعال الحقد والضغائن للبشر من الضعفاء في نفوسهم, وفي خلقهم, على الآمنين الذين ينعمون بسلام النفس وكرامة البشر وكبرياء الوطنية.

أمامنا أمثلة حية من الأحداث الدامية في سوريا التي ما زالت تنزف دماً وتدمر بنى تحتية وتنهب ثروات بشرية ومادية ومعنوية التي تتولى القتال فيها أقوام من أكثرمن سبعين جنسية عربية وأجنبية ويسمونها (ثورة الشعب السوري)!!! وهي (الثورة!) التي ادعو سلميتها فإذا بها تباشر بقتل الطيارين من أبنائها ومهاجمة قواعد الدفاع الجوي, وإذا (الشعب) حضر لها الأنفاق والخنادق والسراديب والأسلحة المخبأة في الحفر والمنازل لتأكيد سلميتها !!!... وهي للتذكير فقط (الثورة !) الوحيدة في التاريخ يُنصب قادتها من قوى معادية للعرب ومستقبلهم, ويُعزلون حسب مشيئة من نصبهم ورضاه, ويعيشون في الخارج, ولذلك تكاثرعددهم  بتعدد الدول المتدخلة مباشرة في الحرب على سوريا غربيها وأميركيها وعربيها, وهي (الثورة!) الوحيدة في العالم قادتها المنصبون مختلفون فيما بينهم اختلافات جوهرية في كل شيئ وهو وضع طبيعي لمن يُدار فيطيع,وللمحملين بأجندات مدفوعة الثمن والأتعاب, وكل منهم يعتبر نفسه المناضل الحقيقي ويتحدث عن تاريخه النضالي, خارج ميدان الحرب والقتال, ولعل معظمهم لا يعرف استعمال السلاح ولا أي معنى من معاني الثورة, يتولون القيادة من فنادق مختارة بعناية,وقصورموبوءة بالفساد عوضاً عن القيادة الميدانية (لقواتهم ومحاربيهم !!), يتحدثون عن التضحيات في سبيل عزة الوطن, وعن مطالب الحرية وعن الكرامة الوطنية في مؤتمرات (ثورية) في الخارج يختلفون فيما بينهم على منيو نوع الطعام الفاخر الذي يرمون فيه معدهم.

ويشهد على نفاقهم وكذبهم ويؤكد عمالتهم للمعادين لوجودهم وانفصالهم عن قضايا الوطن, ارتمائهم في أحضان عربية متخلفة وأجنبية طامعة ومتآمرة على مستقبل العرب وعلى تاريخهم, تعادي الوطن وتسعى إلى تدمير كيانه, وتفتيت أجزائه, يشهد على ذلك اقتتال فئاتهم الدامي فيما بينها, وتفتيل المئات منهم في معارك بينية بين فرقهم المشبعة بالمقاتلين الأجانب حيث يسعى كل فريق منهم التخلص من الآخرين متناسين ادعاءاتهم (الثورية, الديمقراطية !!!) لتحرير سوريا!!!.

يتبادلون التهم بفساد توزيع الأموال المقدمة لهم بالملايين من أجل الاستمرار في تدمير بلدهم على أيدي الغرباء وأيديهم المدودة استجداء للغرباء, والوطن السوري يشكل معلماً من معالم حضارة الإنسان, وتراثاً كريماً لأديانه, وشواهد حية على دور الأمة العربية وجغرافيتها في صنع الحضارة الإنسانية ورفدها بمقومات أساسية من القيم ومن المنجزات الفكرية والأخلاقية التي تضمن استمرارها. وهم في الوقت ذاته الذي يتحدثون فيه عن القيم الوطنية في التحرر والاستقلال والديمقراطية, يرددون أن جيش سوريا  يقتل الشعب السوري كالببغاوات التي فقدت مالكها الذي يطعمها, وفي الوقت ذاته يطالبون القوى الامبريالية والصهيونية,ويتوسلون إليها للمشاركة العسكرية في (ثورة الشعب!!) السوري, دون أن ترتعد فيهم فريصة من فرائص البشر لما آلت إليه حال الصومال وليبيا والعراق نتيجة تدخل قوى الشر والطغيان والأطماع في تلك الأقطار... الكيل بالمكاييل الوطنية لوثته هذه المجموعات بإصرار وتعمد وكأنها تسعى إلى قتل كل معنى من معاني الوطنية, تهدم كل دوافع الاستقلال في النفس العربية وما ترمي إليه المحفزات القومية العربية إلى تعاضد وتوحد ضد الطامعين والمعتدين من كل نوع ولون. ويقتلون كل قيمة من القيم التي تحث الأحرار من الثوار في سبيل قضايا التحرر الوطني واستقلال القرارالوطني وسيادته على التضحية بدمائهم  وأموالهم في سبيلها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد