المقرطة ليست تقنين وسائل بل ترسيخ قيم

mainThumb

03-02-2014 03:04 PM

لطالما انشغل التفكير العام والمطالبات المتكررة من مختلف الاتجاهات السياسية والحزبية بأهمية التحول إلى نظم الحكم الديمقراطية كونها ,أي الديمقراطية المخرج الآمن للمجتمع من سلبيات الصراع الدائم بين النظام وبين العارضين من مختلف الاتجاهات وتعدد الأهداف التي تتبناها القوى المطالبة بها.ولا يفوتنا أن نتذكر كيف أن الأحزاب العقائدية شمولية الغايات والسياسات تصرخ بأعلى صوتها مطالبة بالديمقراطية وهي في حقيقة الأمر من ألد أعداء الديمقراطية وأشد المحاربين لها عندما يتعلق الأمر بمناهجهم في إدارة الشأن العام.

تتلهى الحكومات ومؤسساتها بتصميم قوانين الانتخابات النيابية,وتلتهي بها القوى المعارضة والمناوئة للسياسات الحكومية,ويأخذ الجدل الحامي مجراه بين الطرفين حول بنود القانون الانتخابي وتقسيماته الإدارية,وأطره في حق الترشح الفردي أو بالقائمة والنسبية لإتاحة الفرص أمام مندوبي التنظيمات الحزبية والإتلافات السياسية لشغل مقاعد في المجالس النيابية المنتخبة .ومن المعروف أن الانتخابات النيابية وغيرها من الانتخابات التي تجري في المنظمات غير الحكومية والجمعيات المدنية والمهنية والنقابية هي الوسيلة التي لا بد منها في العمل بموجب القواعد الديمقراطية,ولكنها,أي الانتخابات وحدها لا تصنع ديمقراطية على الإطلاق,وغالبا ً ما استخدمت الانتخابات كسلاح لادعاء الديمقراطية.

فقد شهدت غالبية الدول العربية,ومنها الأردن على سبيل المثال,مراحل عديدة  منذ زمن بعيد,من الانتخابات السياسية والمهنية والنقابية,ولها خبرة طويلة في هذا المجال,ولكن لم تتحقق الديمقراطية بأي مجال منها ,أي ليس هناك ديمقراطية سياسية باعتراف النظام بتأكيده على دعم ومساندة مراحل التحول إلى الديمقراطية.وكذا الأمربالنسب للمؤسسات فما زالت مؤسسات المجتمع المدني وغير الحكومي الخيرية والاستثمارية والنقابات المهنية أسيرة التمنطق بالانتخابات ونتائجها باعتبارها الحد الأعلى للديمقراطية.

ويظل الادعاء بنزاهة الانتخابات,والتأكيد عليها بالقوانين والتشريعات التي تشرع بين حين وآخر,عاجزة عن ضمان عدم التلاعب بها ترشيحا ً وتصويتا ً وإعلان نتيجة.فليس هناك انتخابات نزيهة في أي موقع مؤسسي,أو نظام سياسي ما دام المال هو رافدها الأساسي ومحركها الميكانيكي,ومساندها العملي,وأداتها الوحيدة,خاصة في الدول التي لم تؤسس للقيم الديمقراطية بعد,ولم تتراكم لديها تجربة العدالة في مجتمعها, ومنها الدول في مرحلة التحول إلى الديمقراطية (عملية المقرطة).والمال السياسي لا يفسد المرشح وحده بل يأخذ معه كل من يتكسب من المال السياسي.

الديمقراطية منظومة دينامية في حراك المجتمعات وفي مساعيها لنيل غاياتها وتحقيق رغبات أبنائها في تحسين مستويات معيشتهم,وتحصين استقرار المجتمع ورخائه,فهي بهذا الوصف الدينامي تكون عادة مكونة من أطر عملية تطبيقية وقيم أساسية مترافقة مع أطرها العملية تلك.ويقع في مقدمة هذه الأطر,التسامح,والاحترام المتبادل بين مكونات المجتمع التعددية وقيمها (منظومة التعددية) القومية والثقافية والعرقية والإثنية والطائفية والمهنية,واحترام الحريات الفردية وقيمها (منظومة الحرية).فينعكس ذلك كله على توطين صيغ قبول الرأي والرأي الآخر,وتبادل السلطة,والوفاء بالتعهدات,وتنفيذ الوعود,وترسيخ الحريات الفردية الطبيعية منها والأساسية,ويأخذ التنافس بين القوى والجهات والتيارات مجرى يميز قدرات المتنافسين ويمتجن كفاءتهم ويثبت مصداقيتهم,وبذا يستحق الفائزون منهم الادعاء بالشرعية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد