طَرَقَتْكَ - زائرةً - فَحيِّيْ خَيَالَها ..

mainThumb

20-12-2013 04:06 PM

أعجبني بيتان من الشعر للشاعر مروان بن أبي حفصة ، فيهما جمال الشعر العربي ، وأنه يرتقي على قمة أشعار الأمم الأخرى ، كيف لا ...وهو من اللغة التي سادت اللغات وبهرت العقلاء لغة القرآن ولغة العرب سادة البيان والفصاحة :...

طرقَتْكَ زائرةً فَحَيِّيْ خيالَها .... بيضاءُ تَخْلِطُ بالجمالِ دَلالَها

قادتْ فُؤادَكَ ، فاستقادَ،ومثلُها .... قادَ القلوبَ إلى الصِّبا فأمالَها .

فشاعرُنا يصف خيالَ المحبوب زائرا له ليلاً ثم يأخذُ بنعتِ أوصافه المليحة التي راقتْهُ وجعلتْ قلبَه في شراكها يقع ...

فبدأ بالفعل ( طرق ) ، والطروق لا يكون الا ليلاً ، فكلُّ من جاءك ليلا فهذا يُسَمَّى طارقاً قال تعالى عن النجم : (( والسماءِ والطارقِ وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب ...)) فالنجم يسمى طارقا لظهوره ليلا فقط .

فخيالُ المحبوبة لا يطرقه الا ليلا ، لان الليل هو مظنَّةُ اجترارِ الذكريات ، وكأنها حتَّى في خيالها ( حَيِيَّةٌ ) تخجلُ من العيون فتزورُ ليلا خوفَ الوشاة وخوف الأرصاد ...

وقال عنها : أنها زائرةٌ غير مقيمة ، لأن الزائر مصيره الرحيل ، ولذلك استدلَّ ذلك الاعرابي على ( البعث ) من قوله تعالى : (( ألهاكم التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر ... )) فقال الاعرابي : والله لتبعَثُنَّ لأن الزائر ليس بالمقيم ...!!!!

فقام شاعرنا باستقبالها بالتحية والترحيب كما هي عادة العرب فيمن طرقهم ليلا من الضيفان وغيرهم ، ثم قام بذكر نعوتها وأوصافها – رغم أنها خيال _ فوصفها بالبياض وهي صفة ممدوحةٌ في النساء ، فلذلك وصف الله حُوْرَ العين في الجنَّة بهذا اللون : ((وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون )) وقال تعالى : ((كأمثال اللؤلؤ المكنون ))

وهذا اللون هو البياض المشرب بِصُفْرةٍ ، قال غيلان بن عقبة يصف محبوبته ( مي ) :

بيضاء ُفي دَعَجٍ، صفراء ُفي نَعَجٍ .... كأنَّها فضةٌ قد مَسَّـهـا ذهبُ .

فهي على قدر من الجمال الفائق الرائق ، والجمالُ لوحده لا يكفي بل لا بدَّ من جمال الروح فقال : (( تخلط بالجمال دلالها )) ، فقد تجد بعض النساء جميلة المنظر والمحضر ولكنها سيئةُ الروح عَسِرَةٌ نَكِدَةٌ تجعل من اتصل بها في جحيمٍ رغم جمالها الخارجي .
لكنَّ شاعرنا وصفها بالجمالين الخارجي والروحي ( دلالها ) .

هذه المحبوبة قادت الفؤاد ولم يقل الشاعر ( القلب ) لأن الفؤاد هو مركز ( العواطف )ولأننا نعلم أن هناك فرقاً دقيقاً بين القلب والفؤاد ، وكثير من الناس يخلط هذا بهذا ... ومن الادلة على ذلك ورود لفظة القلب ولفظة الفؤاد في القرآن لمعانٍ مختلفةٍ تدلُّ على هذا الفرق الدقيق ، وكلنا نعلم أن إبراهيم عليه السلام وضع ابنه اسماعيل عليه السلام وزوجه هاجر في وادٍ غير ذي زرع ، لكن الله جعل الأفئدة تَحِنُّ وتطيرُ شوقا وبالأشواق إلى هذا المكان الخالي من مُقوِّمات الحياة آنذاك قال تعالى : ((فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم )) ، ولولا هذه العواطف الجيَّاشة ما طار الناس لهذا ، لكن شاعرنا في عَجُزِالبيت الثاني سيذكر لفظة ( القلوب ) في موطن الانقياد ...!!!!

ففؤاد شاعرنا انقاد لهذه المحبوبة لما جمعتْ من أسباب الجمال الخارجي والروحي ، فما كان مصيرُه الا ان يكون منقادا سلسلا من غير أي اعتراض ... فأراد شاعرنا أن يبرر هذا الانقياد وهذا الانجراف وراء هذه المحبوبة ، فأخذ يقول : مثلُ هذه الفتاة قادت القلوب الى خطراتها وطيشها ولعِبِها زمن الشباب ....

فليس عجبا أن انقاد الى مثلها اذ هي قادت كثيرا قبلي !!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد