صَبَنْتِ الكأسَ عنَّا أمَّ عمروٍ ..

mainThumb

03-12-2013 05:46 PM

لقد جاء الاسلام والعرب على شيء من الأخلاق الكريمة ؛ فقد كانوا في جاهليتهم يكرمون الضيف ، ويبالغون في ذلك ، ومن صُوَرِ تلك المبالغة كما ذكر العلامة محمود الألوسي العراقي – رحمه الله – في كتابه الفَذِّ ( بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ) أن للعرب نيرانا ومن نيرانهم نارُ ( القِرَى ) كانوا يوقدونها على مرتفع من الأرض حتى يراها الساري ليلا فيميل اليها للقِرَى والضيافة ، ووضعوا طريقةً لمن لا يبصر النار بأن يكون ( أعمى ) أو ( أعشى ) فيضعون على النار نوعاً من العطر وهو ( الكاد ) حتى يشُمَّ الساري الذي لا يبصر رائحة العطر فيعرف أنها نار القرى ( الضيافة ) !!!!!

فلذلك جاء الحديث الصحيح ( إنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق ) وفي رواية ( صالحَ الأخلاق ) فكانت عندهم أخلاق وجاء الاسلام لِيُتَمِّمَها بالتوحيد وتجفيف ينابيع الأخلاق السَّيْئة .

وقد ضربوا أروعَ الصورِ في احترام الجار وحليلةِ الجار من غضِّ البصر وحماية الجار في غيبوبته .

قال عنترة العبسي في جارته :

وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي .... حتى يُواري جارتي مأْواها.

وقالت الخنساء - رضي الله عنها – تصفُ أخلاق أخيها صخر مع جارته :

لم تَلْفِهِ جارةٌ يمشي بساحتِها ... لِريبةٍ حينَ يُخْلي بيتَهُ الجارُ .

ومن الصفات الكريمة التي كانت في الجاهلية وأقرَّها الاسلام ؛ جهة اليمين في ( السُّقْيا ) ، فإنَّ عرب الجاهلية كانوا يبدأون في حال السُّقْيا بالجالس عن يمين الساقي ، وهذا ما جاءت به السنة المطَهَّرةُ .

 عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنّها حُلبت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) شاة داجن وهي في دار أنس بن مالك وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القدح فشرب منه حتى إذا نزع القدح من فيه وعلى يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي، فقال عمر وخاف أن يعطيه الأعرابي: أعط أبا بكر يا رسول الله عندك، فأعطاه الأعرابي الذي على يمينه ثم قال: (الأيمن فالأيمن ) .

وهذا ما جاء في مُطَوَّلَةِ عمرو بن كُلْثوم التَّغْلِبي ولا أقولُ : مُعَلَّقة ؛ لأن مسمَّى ( المُعَلَّقات ) لم يَثْبُتْ :

ألا هُـبَّي بِصَحْنِكِ فاصْبَحِينا      ولا تُـبْقِي خُـمورَ الأنْدَرِينا


مُـشَعْشَعَةً كَـأنَّ الحُصَّ فِيها      إذا  مـا الماءُ خَالَطَها سَخِينا


تَـجُورُ بِذي الُّلبانَةِ عَنْ هَواهُ      إذا مـا ذَاقَـها حَـتَّى يِـلِينا


تَرَى الَّلحِزَ الشَّحيحَ إذا أُمِّرَتْ      عَـلَيِهِ  لِـمالِهِ فِـيها مُـهِينا


صَبَنْتِ  الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو      وكـانَ الكَأْسُ مَجْراها الَيمِينا

فالشاعر يعاتب الساقية التي صرفتْ الكأس والسُّقْيا عنه ، وكان حَقُّ الكأس أن يُدارَ من اليمين ؛ لشرف هذه الجِهَةِ عندهم !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد