احكي يا شهرزاد: شهوانية جنسية منقبة

mainThumb

27-07-2009 12:00 AM

يفصل فيلم "احكي يا شهرزاد" بين المرأة والرجل من جهة والمجتمع والدولة من جهة أخرى، بل بين المرأة والرجل، والمجتمع والدولة، وما استجد من تطورات داخلية وخارجية سياسية واجتماعية وفكرية واقتصادية كان لها أثرها على الإنسان المصري برؤاه وتطلعاته.

ويضيء الفيلم هذا الجانب حتى لتبدو هذه الدولة وهذا المجتمع بريئين من جرائم الإفساد والقمع والانتهاك والتسلط، إذ يتم إدانة الرجل وحده حيث تتجسد فيه شهوانية السلطة والجنس، هذه الشهوانية المتوارثة في عادات وتقاليد ربما إسلامية، دون أدنى إشارة عن دور الدولة ودور المجتمع وما جرى فيهما من تغيرات فيما وصل إليه أبناؤه من فساد وانهيار.

وبدا هم الكاتب والمخرج الأساسي هو إبعاد اللائمة عن الدولة والمجتمع وتلخيص الأزمة في أن المرأة ضحية رجل لا هم له إلا نهشها، وأن الجنس العنوان الرئيسي الذي يجمع المرأة بالرجل، ويحمل وزر ما آلت إليه الأمور.

إن الفيلم الذي كتبه وحيد حامد وأخرجه يسري نصر الله وقام ببطولته منى زكي وحسن الرداد وسوسن بدر ومحمود حميده وغيره، أكدت مشاهده الأولى أن الجنس سيكون محور الفيلم الرئيسي، وهو ما حدث، فالمساحة التي يحتلها الجنس لفظا إيحائيا أو فعلا كبيرا.

وبعيدا عما خرج به البعض من أن رسالة الفيلم فضح هيمنة المجتمع الذكوري على مقدرات المرأة، نرى أن الجنس حكم حكايات الفيلم الخمسة، وأن سلاح الجنس لدى المرأة يشكل ركيزتها الأساسية في الحياة، الرجل يسطو، لكنها سرعان ما تملك سطوته وتقبض على شهوته وشهوتها، فإذا ما خانها انقلبت عليه وأعلنت الحرب.

وشخصية صفاء الشابة العاقلة الناضجة والمتدينة تستسلم لعامل في المحل بعد أن تتمنع بحجة الحرام، ولما نذهب بعيدا، فشخصية بطلة الفيلم نفسها حملت إيحاءا جنسيا مفتعلا في مجمل المشاهد مع بطلها الذي ترغب في دفعه إلى احتلال منصب صحفي قيادي.


الحكاية الأولى تكشف التناقض الصارخ الذي وصلت إليه الفتاة المصرية، هذا التناقض الذي يتجلى في سلمى حايك المصرية الفتاة المثيرة التي تعمل في محل لبيع العطور، حيث تقف في المحل دون حجاب حتى إذا انتهى اليوم وعادت إلى بيتها ترتدي الحجاب في رحلة العودة.

تناقض تعيشه بالفعل الفتاة المصرية في كل الطبقات وليس في الطبقة الفقيرة وحدها، لكن أقوى هذه الحكايات إحكاما هي الحكاية الثانية وهي لثلاث شقيقات من الطبقة الفقيرة، ذلك أن أركانها مكتملة، الفقر والكبت والجنس ومظاهر الأسلمة، يقعن في حبائل شاب يمارس معهن الجنس فتكون النتيجة علاقة محرمة تنتهي بأن تقتل الأخت الكبرى الشاب.

أما الحكايتان الأولى الخاصة ببنت الطبقة الوسطى والأخرى الخاصة ببنت الطبقة الغنية، فقد جاءت مبتورة وغير مبررة دراميا، ولكن لنتوقف مع الحكاية الخامسة، أقصد منى زكي مقدمة البرامج الشهيرة، امرأة شهوانية لزوج شهواني، كلاهما يحمل تناقضا مع رؤية الآخر لكن ذلك لا يمنع أنهما يسيران على نفس الطريق دون اختلاف كبير.


كلاهما يعملان تحت سقف السلطة ويسعيان لخدمتها لكن لكل طريقته في العمل، الرجل فج وساذج، والمرأة أكثر وعيا واتزانا وتمسكا بمبادئها، لكن عين كليهما على السلطة.

السلطة فاسدة ومفسدة تتلاعب بالجميع، الأغنياء والفقراء، المرأة والرجل، هناك أكثر من شخصية تمثلها في الفيلم لكن أهمها الشخصية التي يلعبها محمود حميده الوزير و"زير النساء" وصياد ثرواتهن.

إن الفيلم ليس له علاقة بحكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة في تراثنا العربي، كما تشير كثير من الكتابات التي تناولته، كون حكاياته محجبة بل منقبة -إذا جاز التعبير- لا يظهر منها إلا القشور الخارجية، التي تقول أن هناك أزمة، دون أن تعريها، جاءت مبتسرة وناقصة خاصة حكاية سلمى حايك المصرية الفتاة المثيرة المتناقضة، وحكاية هذه العانس أماني (سوسن بدر) نزيلة المصحة النفسية، وحكاية طبيبة الأسنان ناهد التي لا تعرف عن محمود حميده السلطوي الشهير ما يعرفه المجتمع كله وتقع فريسة سهلة له.

ومن جهة أخرى يمثل الفيلم مقتطفات من أعمال سابقة للكاتب، بمراجعة شخصيات الفيلم يمكن الحصول عليها في أفلام ومسلسلات سابقة كتبها وحيد حامد، مثل فيلم "رغبة متوحشة" الذي تجلى في "احكي يا شهرزاد" في حكاية الشقيقات الثلاثة التي انتهت بمقتل الشاب على يد الأخت الكبرى، وفيلم "طيور الظلام" الذي تتقارب فيه كثيرا شخصية عادل إمام مع شخصية محمود حميده، وغيرها.

لقد ظل سؤال ماذا أراد وحيد حامد أن يقول لنا في "احكي يا شهرزاد" يراودني بعد مشاهدة الفيلم، هل أراد أن يقول إنقذوا المرأة من سطوة الرجل أم سطوة الجنس، أم سطوة الإسلام ممثلا في مظهر الأساسي: الحجاب، أم سطوة السلطة ممثلة في فسادها؟ هل أراد أن يدين شهوانية وتسلط الرجل؟ ليكن ذلك، لكن هل الدولة والمجتمع بريئان؟ لماذا لم يدينهما؟ فلماذا لم يدن من صناع الفقر والخراب وسالبي الحريات، من نهبوا مقدرات الإنسان المصري وهدموا أصول حضارته وثقافته وإنسانيته؟ من أوصلوه إلى هذه الحالة من التناقض الصارخ والفخ بين ما يعتقد وما يفعل؟

محمد الحمامصي- القاهرة  - ميدل ايست او نلاين


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد