رسالة الملك عبد الله الأول لوزير معارفه توفيق باشا

mainThumb

01-11-2013 05:54 PM

هذا هو الرجل الذي امتَدَّتْ له يدُ الغدرِ ، وسقط على أبواب القدس


رجلٌ كان أميراً وكان أديباً شهماً يحبُّ فنونَ العلمِ ويُقِّربُ أصحابَه من مجالسه ، فكم مقالٍ دار النقاشُ حوله ، وكم من قصيدةٍ تلاها أقرانُه ...!!

إنَّهُ الملك عبد الله المؤسس الذي كانَ هَدَفُهُ توحيد الأردن مع فلسطين وجعلهما دولةً واحدةً ، ولكنَّ خفافيشَ الظلام لا يروقُ لها هذا الفعلُ الجميلُ ، والهدفُ السامي من توحيد أشلاء الأمة التي مَزَّقَتْها ديدانُ الأحقادِ ، وبعثَرَتْها قنابلُ الأطماعِ ...

لا أريدُ أن أُنْشِئَ مقالاً في مدحِ الملك ؛ لأن المرءَ أعمالُهُ هي التي تثني عليه الثناءَ العميم ، وآثارُهُ هي التي تنقُشُ اسمَهُ على صخرِ السنين .

بينما نتجولُ في كُتُبِ ( أدب الرحلات ) لبعض أدباء دمشق وهو ( محمود ياسين )  عام ألف وتسع مئة وأربعين للميلاد ( 1940 ) حيثُ قام هذا الأديبُ مع بعض أفراد القطر السوري إبان الوجود الفرنسي برحلةٍ إلى الديار الحجاز؛ لأداء فريضة الحج عن طريق الخط الحجازي ( سكَّة الحديد ) ، مروراً بالديار الأردنية ، وكما نعلم منهجَ كُتُبِ الرحلات في الغالب من وصف المناطق ، وذكر اللقاءات مع بعض القبائل ، والحديث عن طبائع الأفراد ...

ولقد خَلَّدَ لنا هذا الأديبُ الرَّحَّالةُ  في كتابه ( الرحلة إلى المدينة المنورة ) رسالةً للأمير عبد الله الأول  – رحمه الله – أثناء عبورِه الأراضي الأردنية من خلال هذه الرسالة يتبينُ لنا مدى رفعةِ هذا الأمير ومدى حرصِه على أبناء الأمة وخاصةً نساءها ، فكان مثالاً للأب والمعلم قبل أن يكون أميراً حولَه الحرَسُ والعسكرُ !!

وكفاه فخراً في مضامير العلم أن ذَكَرَه العلامةُ المحدثُ ربيع بن هادي المدخلي  - حفظه الله - مستشهداً بكلامه في مسألة ( غطاء الرَّأسِ ) في مجموع فتاويه ( 15 / 357 ) :
 (( وأذكر لما بدأت هذه الظاهرة في بعض البلدان في الأردن وفي غيرها ، كتب الملك عبدُ الله الأول ؛ ملك الأردن في زمانه رسالةً جيدةً ، أنا قرأتُها لكن ضاعتْ مني ، في كشف الرؤوس ؛ يعني تكلَّم فيها من ناحية أنهم قلَّدوا فيها الكفار ، وشدد فيها وله الحقُّ في ذلك )) .

وعوداً على كتاب الأديب ( محمود ياسين ) وذكر رسالة الأمير عبد الله المؤسس التي تُظْهِرُ روعةَ خُلُقِهِ ، وتجعلُنا نتأكَّدُ ونستيقنُ إثمَ اليدِ الغادرةِ الجبانةِ التي امْتَدَّتْ له على أبواب القدس .

قال الأميرُ – رحمه الله – مخاطباً قاضي القضاة في الأردن آنذاك

كما في كتاب ( الرحلة إلى المدينة المنورة ) ( 37 ) :


(( عزيزي توفيق باشا :

من الواجب المتحتم أن أُلْفِتض أنظارَكم إلى ما سبق التنبيهُ إليه غير مرَّةٍ ، وإلى ما صدر بسببِهِ أكثرُ من بلاغٍ رسمي فيما يتعلقُ ببعضِ النساء المسلماتِ اللواتي يُرَى أنَّهُنَّ لا يُبَالين بما فرضهُ اللهُ عليهنَّ من عدمِ التَّبَرُّجِ واتباع اللائقِ بالمخدرات المؤمنات والفتيات المسلمات من الوقارِ والحشمةِ ، لأنَّهُ قد عاد بعضُهُنَّ إلى ما نُهِيْنَ عنه بعد أنْ مَضَتْ فترة على البلاغ الأخير بهذا الصدد .

إنني حمدتُ الله سبحانه أن جمع لكم منصب قاضي القضاة إلى وزارة المعارف الجليلة ، وإنني آملُ أن يُصَاغَ بيان جديد يُعْلَنُ فيه عن ضرورة تحجُّبِ المؤمنات لنبرأ إلى الله عزَّ وجلَّ تبعةِ الإغضاء عن هذه المخالفة الممقوتةِ شرعاً ، والتي شرع النساءُ يُقْبِلنَ عليها غيرَ محتشمات .

وقد جاء في الآية الكريمة قولهُ تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) .

وفي الآية ( 31 ) من سورة النور ذكر ( وليضربْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جيوبهنَّ ) ، والخُمُرُ المقانعُ ، جمعُ خِمار ، وهو غطاءُ رأسِ المرأةِ المنسدِلُ على جنبيها .

أُمِرْنَ بإلقاء المقانع على ضفورهنَّ تغطيةً لنحورهنَّ ، فقد قيل إنَّهُنَّ كُنَّ يلقينَ مقانعهنَّ على ظهورهنَّ فتبدوا صدورُهُنَّ ، وَكَنَّى عن الصدور بالجيوب ؛ لأنها ملبوسةٌ عليها  ، وقيل إنَّهُنَّ أُمِرْنَ بذلك ليسترنَ شعورَهُنَّ وقُرُطُهُنَّ وأعناقهنَّ .

قال ابنُ عباس  - ونحن نقول بقوله – رضي الله عنه : ( تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها ) .

وإني آملُ بالإشارة إلى وزير المعارف بأنَّ من جملة مسؤولياته سعادتُه  التفتيش الجدي على المعلمات في مدارس البنات وما يُلَقَّنَّه تلميذاتهنَّ ، وهل المعلمات في درجة علمية كافية لهذه المسؤولية الدينية والأخلاقية التي وُضِعَتْ على عواتقهنَّ ، إنَّهُنَّ في المدرسة محلُّ الأب والأمِ فإذا عُثِرَ على مديرةٍ لمدرسة أو على معلمةٍ بها تترخَّصُ في هذه المقدسات الأخلاقية فلينْقُلْها بدون تردد . هذا واجبي الذي سيسألني اللهُ عنه أضعُهُ على عاتق الحكومة لتقوم بواجبها نحوه ، وإني آملُ منكم الاهتمام الشديد بأمرنا هذا ومتابعته وعرض نتائجه علينا وآمل من الأردنيات المسلمات أن يخْضَعْنَ لأمر الله ونصائحنا في هذا السبيل . ( عبد الله ) )) .

فرحم الله ذاك الأمير ! على هذه الرسالة التي تُذْكِرُنا برسائل السلف المصلحين .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد