الأردن والفوضى الخلاّقة

mainThumb

27-10-2013 09:22 PM

لم يمر الأردن بظروف وتحديات كبيرة وكثيرة أكثر ما يمر به اليوم وهي تحديات من نوعٍ آخر داخلية وليست خارجية عكس ما كانت عليه الظروف في الخمسينيات والستينيات عندما نجح النظام بدعم أمريكي بتسويق الصراع الطبقي والاجتماعي الموجود  بالأردن بأن أسبابه خارجية ولم يكن ذلك صحيحاً على الإطلاق ، والأسباب الخارجية لم تكن في حقيقتها إلا التعليمات التي كانت تصل النظام من الخارج لمحاربة فكر المد القومي الذي  قادته مصر الناصرية في ذلك الوقت والذي كان يهدف إلى إقامة دولة العرب الواحدة ومحاربة الاستعمار وأتباعه واسترجاع ثروات الأمة من منطلق مقولة جمال عبد الناصر الخالدة " ثروات العرب للعرب " .

وتمّت محاربة المشروع الناصري العظيم واتهامه بالشيوعية وكذلك جرى محاربة كل القوى الوطنية والقومية وصرفت ملايين الدولارات لمحاربة المشروع القومي والوطني كما اعترفت صحيفة الواشنطن بوست في مطلع عام 1976م عندما ذكرت أسماء الحكام الذين يقبضون من المخابرات الأمريكية ولا داعي لذكر التفاصيل فقد أصبحت معروفة للجميع وكيف جرى خداع هذا الشعب وهذه الأمة حتى كتب التاريخ في كثير من أقطارنا العربية بالعكس وعملاء أمريكا الذين ورثتهم عن بريطانيا أصبحوا أبطال ، أحد هؤلاء وهو فيصل عبد العزيز الذي طالب رئيس أمريكا ليدون جونسون بضرب مصر وسوريا واحتلال باقي الجولان وكان ذلك قبل نكسة حزيران الأليمة بعام ورسالته موجودة فيما يسمى بالمتحف الوطني السعودي وقد ذكرها الأستاذ حمدان حمدان في كتابه المعروف " سنوات من الخيبة " ، ومثل هذا وغيره أصبحوا رموز المرحلة المسماة بالنفطية ، وهو نفسه الذي وصفه المقبور أنور السادات بأنه بطل العبور وما أكثر أبطال العبور المزيفين على حساب أبطال العبور الحقيقيون وهم الجنود والضباط من الشهداء الذي جعل السادات من أجسادهم الطاهرة جسراً لعبوره لقلب أمريكا عبر البوابة الصهيونية في زيارته المشئومة واستسلامه للعدو في التاسع عشر من نوفمبر عام 1977م ، ومنذ تلك الزيارة المشئومة ارتفع صوت العملاء والأتباع من أصحاب نظرية الواقعية السياسية وتراجعت مصر وسادت مرحلة النفط الأسود الذي اشترى الكثير من المثقفين والسياسيين حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من الانحطاط وانعدام الوزن لتدخل المنطقة في النفوذ الأمريكي خاصة مع أحداث ما يسمى بالربيع العربي الذي هو في حقيقته ليس إلا صناعة أمريكية صهيونية .

ورغم ذلك تبشرنا الوقائع أن أمريكا ذاتها في طريقها للانهيار ولعل ديونها الخارجية تلقي الضوء على استحالة انفراد أمريكا بقيادة العالم والتبشير بأن شمسها قد بدأت بالغروب ولعلّ صورة الأردن الرسمي وهو أحد أكثر الأتباع لأمريكا يعطينا دليلاً على استحالة استمرار الأردن الرسمي بهذه الطريقة وقد أصبح الصراع بالأردن واضح وهو صراع الوطن وأبنائه مع الفساد والاستبداد ولم تعد لدى النظام شماعات يعلق عليها أخطائه السياسية كما كان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي والتي هي مرحلة التحرر الحقيقية التي حاربتها أمريكا الصهيونية وأتباعها.

من تابع بالأمس القريب الدكتور عبد الله النسور رئيس الوزراء المعين وهو يتحدث لإحدى محطات المحلية ليعرف ما يدور بين السطور ومدى الأزمة التي يمر بها الوطن التي أسبابها الحقيقية هي الفساد والاستبداد وقمع الحريات وتغول مؤسسة الفساد والفاسدين ولم يعد الصراع بالأردن مع الخارج كما كان يسوق دائماً حتى أصبحت عملية اللجوء السياسي وآخر أبطالها الأخ المناضل علاء الفزاع هي خيار الشعب الأردني وقد سبق علاء آلاف الأردنيين باللجوء الاقتصادي حيث غادر البلد الكثير من خيرة أبناءه طلباً للعيش الكريم بعد أن أصبح هذا الوطن سجناً أمريكيا مفتوحاً وتحول الشعب في أغلبه لعاجز عن توفير أبسط مقومات الحياة ناهيك عن محاربة المواطنين بأرزاقهم ، كما حدث مع الفقير لله كاتب هذه السطور شخصياً وغيره وغيره الكثيرون ممّن ذكر عنهم أو لم يذكر وقد ضاقت بهم الدنيا بما وسعت ، وللأسف لا يزال كتبة الأجهزة من اللقطاء يسوقون الأمر وكأنه شيئاً طبيعيا ويحاولون تلميع مؤسسة الفساد والاستبداد التي أوشكت أن تأخذ الوطن للمجهول ولا يزال عبد الله النسور وغيره من أزلام كل العصور يبيعوننا وطنية مضروبة وهم في أبراجهم العاجية وقد فسدت بضاعتهم وهي فاسدة أصلاً وأصبحت لا تنفع حتى للكلام المستهلك .

بقي أن نقول أن الصراع بالأردن كما أسلفت لم يعد بين معارضة مستأنسة ونظام مستبد ولكن الصراع أصبح بين الشعب ومؤسسة الفساد ومن يحرس الفساد من المستفيدين إياهم الذين هم أشبه بأمن حسني مبارك الذي اختفى وتبخر في أيام معدودة عندما جاءت لحظة الحقيقة والمحاسبة وهي قادمة لا محالة للأردن الذي لا يزال أرضه حبلى بأحداث لا يعلمها إلا الله .
ولا عزاء للصامتين وأبواق السلاطين من الخونة التافهين .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد