السُّجونُ مقابرُ الأحياءِ

mainThumb

11-07-2013 03:21 PM

جاء ذِكْرُ السِّجْنِ في القرآن عند ذكر نبي اللهِ يوسف – عليه الصلاة والسلام _ مِمَّا يَدُلُّكَ على أن في السجن أبرياءَ ، وهذا تأْكيْدٌ لقولِ العامة : ( ياما في السجن مظاليم ) !

وقالتْ العرب عن السجون : (هي منازلُ البلاءِ، وتجربةُ الأصدقاءِ، وشماتةُ الأعداءِ، وقبورُ الأحياء ) .


وهذا لا ينفي أنَّ السِّجْنَ مأوى المجرمين والشُّطَّار.

 ولقد أبان اللهُ عن نفسيةِ السجين في القرأن الكريم ، فهو الذي يهربُ من ضيق السجن وَظُلْمَته إلى عالم أفسح أفيح يتنفس فيه ..


فالسجين يهربُ الى عالم ( الرُّؤيا ) والأحلام عسى أن يلتقي بمن حُرِمَ رؤيتَه بسبب ظُلْمَةِ السجن .


فاستمع لقول ربِّنا – عزَّ وجلَ _ حيثُ يصفُ هذه النفسية وهُرُبَها الى المنامات ، قال تعالى : (( ودخل معه السجن فتيان قال أحدُهما إني أراني أعصرُ خمراً وقال الآخرُ إني أراني أحملُ فوق رأسي خُبْزا تأكلُ الطيرَ منه نَبِّئنا بتأويله ، إنَّا نراك من المُحْسِنين )) .

فالرؤيا ذكرها الله عند ذكر السجن ، فإنَّ السجن يمنع المسجون أشياءَ ويُقَيِّدُ حركتَهُ ، فلذلك يفزَعُ المسجونُ الى نافذة الأحلام لعلَّهُ يجدُ فيها بُغْيَتَه ومطالبَهُ !!!
فبغيَةُ كلِّ مسجون هو رؤيةُ الدُّنيا واستنشاقُ هوائها ، ومِمَّا راقني من الشعر النبطي – وإنْ كنتُ من غير أنصارِهِ _ ، ولكنْ كما قالوا : (( المربى قَتَّال )) ، قصيدةُ للشاعر  العامي ( راكان بن حثلين ) وقد سجنَهُ الأتراك سبع سنين ، فرأى برقاً من نافذة سجنه ، فقال :
 (( أخيل يا حمزه سنا نوض بارق
يفري من الظلما حناديس سورها
على ديرتي رفرف لها مرهش النشا
وتقفاه من دهم السحايب حشودها


فياحظ من ذعذع على خشمه الهوا


وتنشى من أوراق الخزامى فنودها ))

وجاءتْ أبيات  تَصِفُ نفسِيَّةَ السجين وصفاً دقيقاً وانكبابَهُ على الرؤيا والمنامات ، وقد اختلفتْ الروايات في تحديد صاحبها ، فمرَّةً للفضل بن البرمكي ، ومرَّةً لصالح بن عبد القدُّوس ، ومرَّةً للجهم  :
الى الله أشكو انه موضعُ الشكوى ... وفي يدِه كشفُ المَضَرَّةِ والبلوى

خَرَجْنَا من الدنيا ونحن من أهلها ... فلسنا من الأحياءِ فيها ولا الموتى

إذا دَخَلَ السَّجَّانُ يوماً لحاجةٍ ... عَجِبْنا وَقُلْنا جَاءَ هذا من الدنيا

وَنَفْرَحُ بالرُّؤيا فَجُلُّ حديثِنا ... إذا نحن أصبحنا الحديثُ عن الرُّؤيا

فإنْ حَسُنَتْ لم تَأْتِ عَجْلَى وأبْطَأتْ ... وإنْ قَبُحَتْ لم تَحْتَبِسْ وأَتَتْ عَجْلَى


فهو يصفُ فرحَ المسجون بالرؤيا ، وأنَّ معظمَ الحديث يكون حولها تحليلاً وتفسيراً ، يجدون في ذلك متنَفَّساً من عذابات السجن وضنَكِهِ ، وعسى أن تتحقَّقَ رؤيا أحدِهم بالخروج ،ورؤية الأهل والأصحاب !!!
حتى أنَّه يفَصِّلُ في أنواع الرؤيا ، فإذا كانتْ رؤيا خير وسعادة أبْطَأَتْ في المَجيءِ وطال انتظارُها ، وإذا كانت رؤيا شَرٍّ ومكروه ، جاءتْ عَجْلى مسرعةً ، كأنَّها في شوقٍ لصاحبِها !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد