خلافُ محمود شاكر ، وطه حسين

mainThumb

08-07-2013 01:58 PM

أبو الطيب المتنبي شخصيَّةٌ ثار حولها غبارُ الخلاف ، سواءً في شعره أو في نسبه .... والذي يهمنا في هذه المقالة هو نسبُهُ .


انقسم الدارسون حول نسبه ، فمنهم من غلا في ذَمِّه حتى رماه أنه ( لقيط )!! وصاحبُ هذا القول هو ( طه حسين )  ، كما نقلها الأديب محمود شاكر – رحمه الله - !!!


وقسم غلا في مدحه ، ورفعه فوق مستواه ونسبه إلى النسب ( العلوي ) وهو الأديب محمود شاكر حيث قال في كتابه (المُتَنَبِّي) ( 415 ) : (( حتى ذهبتُ في الرأي مذهباً لم أُسْبَقْ إليه ، فزعمتُ أنَّ أبا الطيب كان علويَّاً شريف النَّسَبِ ، ينتهي نسبُهُ إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - ... )) !!!


وهناك من ذهب مذهب محمود شاكر من أمثال ( الملاح والعريضي ) .


ولنْ أخوضَ في الردِّ على قول ( طه حسين ) ؛ لأنه قولٌ لا يُلْتَفَتُ إليه ، إنَّما نقاشُنا مع الأديب محمود شاكر – رحمه الله – ومن سلكَ مسلَكَهُ .


فقد قال محمود شاكر في ترجيحه النسب العلوي للمتنبي : (( ... فزعمتُ ... )) ونعلمُ أنَّ الزعمَ هو الكذبُ ومجانبَةُ الحقيقة .


فقد جاء في ( معجم الأدباء ) لياقوت الحموي ( 6 / 2509 ) عند ترجمة ( محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي ) وقد رأى من أبي الطيب كبراً وخُيَلاءً أنكره فقال له الحاتمي : (( أَبِنْ لي عافاك اللهُ مِمَّ تِيْهُكَ ، وخُيَلاؤكَ ، وَعُجْبُكَ ؟ وما الذي يوجبُ ما أنتَ عليه من التَّجَبُّرِ والتَّنَمُّر ؟ هل ها هنا نسبٌ في الأَبْطُحِ تَبَحْبَحْتَ في بحبوحة الشَّرفِ وفرعتَ سماءَ المجدِ  به ؟ أم عِلْمٌ أصبحتَ عَلَماً يقعُ الإيماءُ إليكَ فيه ؟ ... فامتقع لونُه عند سماع كلامي وعصبَ ريقَهُ وجحظتْ عيناه في يده ، وجعل يلينُ في الاعتذارِ ليناً كاد يُعْطَفُ عليه ... ثم قلتُ : يا هذا إنْ جاءَ رجلٌ شريفٌ في نسبِهِ تجاهلتَ نسبَهُ ... )) .
فأنتَ ترى أنَّ الحاتمي في هذه الرواية أنكر أن يكون للمتنبي نسباً في  ( الأبطح ) وهم قريش ومنهم بنو هاشم ( العلويون ) ، وأبو الطيب يسمع ولا يحير جواباً .


ثمَّ ادَّعى محمود شاكر أنَّ القدماءَ والمعاصرين لم يُشَكِّكوا في نسب أبي الطيب أنَّه ( جُعْفِيٌّ ) صحيحُ النسب حيثُ قال : (( فَكُلُّهم من ألف سنة إلى أول يناير سنة 1936إجماع على التسليم بصحة ما رواه الرُّواةُ من أن والد المتنبي كان سَقَّاءً بالكوفة ، وأنَّهُ كان جُعْفِيَّاً صحيح النَّسبِ )) !!!


وهذا منه سلوكُ المجازفةِ – رحمه الله – فقد نَقَلَ الاجماعَ على صحةِ نسبِ أبي الطيب  الى ( جُعْفيٍّ ) ، فلماذا إذن تخالف الاجماعَ الذي نقلتَه ؟!!!


فهذا يُؤَيِّدُ أنه مجردُ زعمٍ لا غيرَ !


حتى هذا الاجماع لا نُسَلِّمُ للأديب محمود شاكر فيه ، فقد شَكَّكَ العلامة ابن رشيق القيرواني صاحب ( العمدة ) في نسب المتنبي حيث قال ( 1 / 134 ) : (( وهو خاتمةُ الشعراءِ لا محالةَ ، وكان يُنْسَبُ في كِنْدَةَ ، وهي روايةٌ ضعيفة ، وإنَما وُلِدَ في كندة بالكوفة فيما حكاه ابن جني ، وإلا فكان غامضَ النَّسَبِ ... وزعمَ بعضُ المُتَأخرين أنَّه جُعْفُيٌّ )) .


والذي يترجَّحُ لدينا أنَّهُ عربيٌّ بالجُمْلَةِ ، ولكن لا تُعْلَمُ قبيلتُهُ ، لأنَّ أبا الطيب بلغ من الشهرة ما لم يبلغْ غيرُه من الشعراء ، رغم ذلكَ لا يوجدُ وضوحٌ في نسبِه ؛ فهذا يُثِيْرُ الجدلَ والريبةَ ...
فمن اشتهر هذه الشهرة  ، وَدَوَّنَ الأُدباءُ شعرَهُ وحياتَهَ ،  فلماذا أغفلوا وضوحَ نسبِه ؟!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد