مقاولات تسريب الامتحانات

mainThumb

30-06-2013 11:17 PM

 لفت انتباهي عندما سمعت عن مُقاولي الامتحنات فاخترته ليكون عنوان مقالي ،في الماضي كنا نسمع عن مقاولي الأبنية أو المشاريع الانشائية و لكن مع حلول القرن الحادي و العشرين تحولت المقاولات إلى نوع جديد وهي مقاولات تسريب الامتحانات تقوم على  تقديم سمَّاعات لطلبة الثانوية العامة يتم من خلالها تزويد الطلاب بحلول للأسئلة الوزارية مقابل مبالغ مالية و هذا المقاول يزود الطلبة بقائمة بأسماء الاساتذة ليختار منها الطالب الاستاذ الذي يثق بأن يقوم بحل الاسئلة لديه أثناء أداء الامتحان "خدمة خمس نجوم " و هذه ليست خدمات مجانية بل هي مقابل مبلغ مالي يتراوح مابين المئتين إلى ثلاث مئة دينار و أحيانا يصل المبلغ إلى خمس مئة دينار "للإمتحان الواحد" حسب طريقة تقديم هذه الخدمة ،و على اثرها فإن هذا الطالب سينهي المرحلة الثانوية بنجاح باهر .

 
سمعنا عن تسرب الاسئلة لكن لم تتضح الطرق التي تمت فيها عملية التسريب  رغم الإجراءات المشددة التي اتخذتها وزارة التربية لحماية مغلفات الامتحانات إلا أنها تظل محط أنظار ضعاف النفوس من بعض موظفي التربية أومن أقلية من المعلمين و كلاهما يعملان لتقديم الامتحانات لأحد مقاولين الامتحانات ،وثلاثتهم يشتركون في تسهيل الخدمة للطالب الذي ليس لديه القدرة على المذاكرة ،و يرغب في شراء الشهادة .
 
طرقٌ عديدة رسائل الواتساب ،يتناقلها الطلاب قبل دخول الطلاب إلى القاعات بأقل من ساعة ،هناك من يجتهد و يحل الامتحان وهناك من يحصل على الحل بسهولة،
 
و كيف تم تناقل هذه الأسئلة ؟
 
عندما يتم اكتشاف عملية الغش من قبل أحد المراقبين و اتخاذ الاجراءات اللازمة لمعاقبة هذا الطالب  فإن أولياء الأمور يستشيطون غضباً و بعضهم يقتحم القاعات لتهديد المراقبين أو مدراء القاعات بالأسلحة أو الاعتداء عليهم بالضرب فما قصة البلطجة المسلحة التي اقتحمت قاعات الامتحانات؟ قبل أن يلجأوا للعنف لماذا لم يتوقفوا قليلاً عند اللحظة التي قرروا فيها هدم مستقبل ابنائهم باشتراكهم معهم في عملية الغش  ، و هل فكروا أثناء شرائهم أسئلة الامتحانات أنهم يقدمون للمجتمع شباباً مستهتراً ليس قادراً على أن يتحمل مسؤولية المذاكرة للحصول على الشهادة الثانوية فكيف سيكونون مسؤلين عن بناء مجتمع بأكمله .
 
أتعجب لموقف أولياء الأمور عندما يساندوا أبناءهم في ارتكاب جريمة كهذه ،أليس من المفروض أننا مجتمع مسلم و تربينا "أن من غشنا فليس منا "فكيف نربي أبناءنا على الغش وهم في بداية الطريق ،و نغضب و نثور لأنه تم حرمانهم من أداء امتحانات الثانوية ،أفضل أن يرسب ويحرم من أداء امتحناته عوضاً من أن ينجح و يصبح طبيباً غير قادرٍ على علاج الناس أو يظل الطبيب المستهتر بأرواح الأخرين.
 
أو يصبح مهندساً لا يعرف قواعد السلامة العامة فنكون بكارثة لتتحول إلى كوارث "أبنية تتساقط أو معاملات غير نظامية... أو....أو ....أو فمن بدأ طريقه بالغش سينهيه بالغش ،و من آثر أن يشتري الشهادة بالمال فأي معرفة يمتلكها!و نقول هذه العينات التي ستتنافس على مقاعد الجامعة؟ و نسأل بعد ذلك لماذا يكثر العنف في الجامعات ،ولماذا  تحولت الجامعات إلى حلبات مصارعة ؟الصراع فيها بالأسلحة البيضاء و المسدسات .
 
سيظل الفتى المدلل الذي لا يقوى على المذاكرة ،و لن يصبح رجلاً يتحمل المسؤولية ،فلا تجنوا على أبنائكم و تقدمو لهم فرصاً لا يستحقونها ،إن جد اجتهد و إن نام فهذا خياره ليرقد في سريره دون إزعاج .
 
هذه الظاهرة المستحدثة في مطلع هذا القرن لم تكن موجودة في الماضي فلماذا أصبحت متوفرة الآن و بكثرة ؟
 
الأسباب عديدة منها أسباب تكنولوجية لم تكن متوفرة في السابق أو أسباب اقتصادية دعت الآخرين لبيع ضمائرهم مقابل مبلغ مالي أو قد يكون السبب الاجتماعي له دور ،اختلف تفكير أبناء المجتمع من الماضي إلى الحاضر الجميع يريد ابنه طبيباً أو مهندساً بأي وسيلة ،حتى معايير التعليم اختلفت ،و أشكال المعلمين أيضاً أصبحت مختلفة ،و جميع هذه الأسباب التي لم أتطرق لها بالتفصيل هي مجرد حُجة حتى نبرر لأنفسنا ارتكاب الأخطاء ،ان كان الأب يطمح بأن يصبح ابنه ناجحاً في دراسته و عمله ليوجهه منذ البداية إلى تحمل المسؤولية ،عوضاً عن شرائه له أسئلة الإمتحانات  ،فكيف سنبني جيلاً صحيحاً صالحاً مادُمْنا نزرع فيهم قيماً هدّامة .
 
كلنا راعٍ وكلنا مسؤولٌ عن رعيته ،الأم راعية وهي مسؤولة عن رعيتها و الأب راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته ،و المعلم راعٍ ،و كل موظفٍ راعٍ ،فلنكن على قدر هذه المسؤولية أبناءً و أباءً و عاملين لنبني مجتمعاً أساسه الصدق و الأمانة و الوفاء  و هذا هو الأساس الذي تعتمده الدول العظمى في العالم ،فلا نجلس أمام شاشات التلفاز و نقول ليس بيدنا حيلة و لاقوة ،بل نستطيع أن نبدأ بأنفسنا ومن بيتنا لنصلح فيه و سيصلح المجتمع بأسره .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد