الفوضى الخلاقة .. حروب مذهبية بلا أفق

mainThumb

15-06-2013 02:36 PM

 هل دخلت المنطقة مرحلة المخاض العسير لولادة شرق أوسط جديد, وفق المواصفات الاميركية - الاسرائيلية الذي بشرت به وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس عام ,2006 ذاك الشرق الذي ازداد لهيب ناره بعد أحداث 11 سبتمبر الارهابية عام ,2001 وراحت مراكز الابحاث والدراسات الغربية تفرخ حوله الخطط والخرائط? 

 
شرق يعاد فيه رسم حدود الدول, بل ولادة أخرى جديدة, بدأت بوادرها من العراق عام 2003 حيث بات الحديث عن ثلاثة أقاليم مستقلة مسألة عادية, بل يجري التحضير لها, وهاهي سورية دخلت أيضا حيز الحديث عن تقسيمها الى ثلاث دول, واليمن عادت اليه حمى الانفصال, وفيما خروج النوبة من الجسد المصري يقرع طبوله, فعلى الوقع نفسه أعلن في بنغازي الليبية استقلال إقليم برقة, وها هو لبنان- الاصغر من أن يقسم- يدخل دهليز التلويح بالفيدرالية تارة وفي أخرى الكونفيدرالية. 
 
وقبل هذه وتلك كان الانفصال السوداني المؤشر الاكثر وضوحا على انطلاق قطار تفكيك الدول العربية التي لم تحرك مرجعياتها ساكنا, فلا جامعتها اتخذت قرارا تاريخيا يمنع هذا الانزلاق في أتون اضمحلال الدول الاعضاء, ولا هي سارعت الى تحصين نفسها مما يحاك لها في الليل الاميركي- الاسرائيلي. 
 
الفوضى "الخلاقة" الموعود بها عالمنا الصغير هذا تكتب فصولها بدماء وأيد عربية, بينما المخرج وكاتب السيناريو يتفرجان مرة يصفقان لهذا, وثانية يثنيان على ذاك, وفي ثالثة يتجهمان في وجه طرف لم يحسن تأدية دوره, لكنهما في نهاية المطاف يضحكان في سرهما لادراكهما ان مخططهما ينفذ. 
 
هذه الصورة القاتمة والمرعبة ما كانت لترسم لو كان العرب أدركوا منذ البداية ان في مقدورهم التحول الى قوة فاعلة في العالم واستفادوا من فرص عديدة أهدروها بسبب انشغالهم بخلافاتهم الداخلية وانقلاباتهم العسكرية, ومعاركهم الجانبية. 
 
فلا هم أسسوا اقتصادا قويا, ولا اجتمعوا على كلمة واحدة او بنوا قوات مسلحة تحميهم من غوائل الايام, حتى التصنيع العسكري العربي المشترك أغرق في الحسابات الخاصة لنظام عبد الناصر, وتحول من مصدر للاكتفاء, أقله في بعض الصناعات, الى عبء على مصر, ووقفوا يتفرجون على غالبية الانظمة المسماة "ثورية" وهي تحول بلادها ساحات صراع وقمع وقتل وتعذيب ونفي وانقلابات, ولم يتداركوا الأمر ويعيدوا توجيه البوصلة الوجهة الصحيحة, بل كانوا يرفعون شعار تحرير فلسطين وهم لا يملكون العدة ولا العتاد لذلك, وقبلوا بالتنازل عن الاراضي المحتلة عام 1948 في العام ,1967 وبعدها كرت سبحة تنازلاتهم الى ان قبل الشعب الفلسطيني الحكم الذاتي حتى لا يفقد كل شيء اذا بقي يراهن على شعارات عربية خيالية, والمؤسف ان هناك من لا يزال يرفعها محاولا إطالة أمد بقائه أطول فترة ممكنة بالكذب على شعبه. 
 
العرب الغارقون في الفوضى, قواتهم المسلحة مجرد ميليشيات, وفي أحسن الاحوال قوى أمن محلية تخاف من مواجهة اسرائيل, وترتعب من أي حركة في الداخل او الخارج, تتقن مقاتلة شعبها, وتعجز عن صد أي عدوان عليها, وفيما هم يتحدثون عن تحصين الساحات في مواجهة الاعداء يزداد فقرهم, وترتفع معدلات الأمية بين شعوبهم. 
 
بعد كل هذا الهوان لم يعد مستغربا ان يغرق العرب في أتون صراع مذهبي أبشع من كل صراعاتهم, لأنه حرب لن تبقي ولا تذر اذا لم تتوافر لديهم الحكمة لاطفاء كل الشرر المتطاير من بعض الرؤوس الحامية, التي تذكي نيرانها البنادق المأجورة أمثال حسن نصرالله ومن هم على شاكلته من الطوائف والمذاهب كافة, أكان في مصر الواقفة على شفير حرب دينية, او العراق ولبنان واليمن وسورية حيث وحش القتل المذهبي يلتهم المزيد من الابرياء. أفلا يستدعي هذا المشهد تحركا عربيا رشيدا ليمنع الانزلاق في ظلمات عقود من الصراع الديني, وتخرجنا من هذه الفوضى الدموية, أم أننا فعلا أمة تسلم قيادها بسهولة لمن يرسم ويخطط لها?  
 
أحمد الجارالله


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد