خصومة الإسلام يربحها الإسلاميون - حمد الماجد

mainThumb

20-05-2013 05:06 PM

 من السهل أن تهزأ بآية أو تشكك بحديث أو تسخر بسنة، لكن من الغباء أن تظن أن هذه أسلحة صالحة في معركتك مع الإسلاميين. إن عامة الناس، وهم الشريحة المستهدفة للتنافس بين التيارات الفكرية المختلفة، صاروا على درجة واعية وقدرة واضحة على فرز من يخاصم فكرة اجتهد في طرحها الإسلاميون، وبين سنن وتشريعات صريحة تنسب إلى الدين نفسه، وهذا ما لم يستطع بعض الليبراليين التفريق بينهما، أو بعبارة أدق: استغبى الجمهور أن ينتبه إليها.

فالذي يتجرأ ويتحدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجلس أمامه الند للند، أو الذي يستخدم الرمزية الروائية للاستهزاء بالله وملائكته ورسله، أو الذي إذا طرب لفنان فهو لا يفرق بين صوته والصوت الإلهي، أو الذي يسلط فكرة فيلم للاستهزاء بسنة معتبرة مثل اللحية أو المسواك أو الحجاب، وهو إحدى مناطق التماس الساخنة، أو الذي قال إن الإسلاميين بلغت بهم القذارة أنهم يصرفون بول الإبل كوصفة طبية، يظن أن ردة فعل الإسلاميين الغاضبة تجاه المساس بالثوابت - لأنهم الأعلى صوتا والأقدر على التوظيف الإعلامي - تبرر له التمادي في مسلكه الخاطئ، وما علم أنه يستعدي شرائح واسعة من العلماء المستقلين والمثقفين المحايدين، وفوق ذلك عامة الناس التي لا تعجبها بعض أطروحات الإسلاميين، كتوغلهم في الشأن السياسي، وبالتالي يقلص دائرة تأثيره ويستعدي على نفسه شرائح كانت في أقل الأحوال في موقف المتفرج في معاركه الفكرية.

المعارك الفكرية مثلها مثل المعارك الحربية، فيها الأسلحة المسموحة والمحظورة، وفيها حسن التكتيك، وفيها أيضا الفروسية الحقيقية أو الفروسية المزيفة، وفيها التصرفات الذكية أو الحمقاء.

في فترة حكم طالبان لأفغانستان، وهي فترة فاشلة عدا قدرتهم الفائقة في بسط الأمن ومحاربة المخدرات، قال بعض المثقفين الليبراليين بأن نقاب الأفغانيات «تخلف» فرضه حكم طالبان، وأن المرأة الأفغانية ستتخلص منه بمجرد التخلص من حكم طالبان، وهذه فيها مغالطات غبية، أولاها أن النقاب هدي شرعي قديم عمره عمر النبوة، ولا يغير هذه الحقيقة خلاف العلماء حول سنيته أو وجوبه، وثانيها أن طالبان وإن حثت على نشر هذا النوع من النقاب إلا أنه متأصل في تقاليد المرأة الأفغانية قبل وجود طالبان وبعدها، فبعد سقوط طالبان ووجود الاحتلال الأميركي كشف النقل التلفزيوني لتنقلات الجنود الأميركيين في شوارع كابل بقاء النقاب الأفغاني بصورة طبيعية، وقل ذات الشيء عن السخرية باستخدام بول الإبل كوصفة علاجية، أو خلط الحقائق ونسبة هذه الوصفة للإسلاميين، فليس عسيرا على الناس إدراك أن التداوي ببول الإبل وارد في حديث نبوي صحيح رواه ذروة الثقة الأحاديثية: البخاري ومسلم. مثل هذه التخبطات بلا ريب ستصيب المصداقية في مقتل، ولا يلتفت بعدها إلى كلامه حتى ولو كان صوابا؛ إذ إن المصداقية برج يستهلك الوقت والجهد لتشييده، ولكنه ينهار في لحظة كما تنهار ناطحات السحاب في لحظة إذا لغمت بالديناميت.

لا أبالغ إذا قلت بأن أحد أسباب انتصارات الإسلاميين السياسية جاءت بسبب رعونة خصمهم، وليس بالضرورة بسبب تفوق الإسلاميين السياسي. إن قلة شعبية التيار الليبرالي هي أحد مخرجات بعض الطروحات المتشددة كالتي أوردتها آنفا، وهي أحد أسباب جنوح الرأي العام للتيار الإسلامي، فكلما أوغل المتطرفون في التيار الليبرالي في هز الثوابت والسخرية بالمعتقدات، فهو يعني مساحة جديدة من الشعبية تمنح على طبق من ذهب للتيار الإسلامي، وأما تساؤل بعض الليبراليين «أنى هذا؟» حين يلاحظون تدني شعبيتهم في المحافل السياسية، فجوابه «قل هو من عند أنفسكم».

h.majed@asharqalawsat.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد