إنما يعزل النظام نفسه؟

mainThumb

16-05-2013 11:16 AM

لم يقم نظام حكم في ما يرويه لنا تاريخ البشرية سبق وأن حاز على تأييد كامل من مكونات الشعب الذي يحكمه النظام.ولو وجد مثل هذا المجتمع في دولة ما لأخذت مئات الدراسات طريقها في التحليل وفي معرفة الأسباب والبحث عن الدوافع التي تجعل نظام حكم مرضيا عنه من جميع مواطنيه.ولو كان  بالإمكان وجود مثل ذلك النظام لما تجرأ الفلاسفة على الادعاء بأن العالم مليء بالمتناقضات,وتعصف به الاختلافات,وتقوض استقراره الخلافات التي لم تنقطع يوما من وجودها الدائم في كل المجتمعات البشرية بغض النظر عن حجمها السكاني أو مرجعيتها الأيدولوجية أو عقائدها الدينية والسياسية والأخلاقية أو منجزاتها الحضارية...

تعاملت النظم الحاكمة بمختلف تشكيلاتها وتنوع تصنيفاتها بين اليمين واليسار والوسط,والثيوقراطية والعلمانية,وبين الديمقراطية والدكتاتورية وبين الفردية والشمولية مع معارضيها بأشكال مختلفة من التعاطي مع أشخاصها ومع تنظيماتها ومع فكرها وطروحاتها,تراوحت تلك الأشكال في جبروتها وفي قسوتها وفي وسائل تشويه سمعة المعارضين وتسخيف آرائهم والهزؤ بسلوك قياداتهم وكيل الاتهامات بالخيانة والعمالة والعمل ضد مصالح الوطن.ولم تخل وسائل النظم الشمولية والدكتاتورية من الزج بالمعارضين بالسجون دون محاكمات أو محاكمات شكلية بتشكيلات من المحاكم الخاصة,وأخذ بعض هذه النظم بتصفية المعارضين جسديا خلال عمليات تعذيب وحشية أو بالاغتيال والقتل العمد لرموز المعارضة وناشطيها.

أما الديمقراطيات,التي أخذت العمل بمبدأ التنافس على كسب أصوات القوى الناخبة من مكونات المجتمع,فقد غلب على أساليب النظام الحاكم فيها الدهاء في الخطاب التعبوي الموجه لجميع فئات الشعب وتعدد مكوناته ,واللجؤ إلى وسائل أفرزها الذكاء السياسي والحنكة القيادية في رفد المنافسة على أصوات الناخبين بالإنجازات الاقتصادية والمنافع المادية والمعنوية والمكتسبات الوطنية في السياسات الدولية.

في الصنف الأول من النظم (النظم غير الديمقرطية) جهدت تلك النظم على تسخير إعلامها للدعاية للقائد والحزب الحاكم,والدعوة له بطول العمر كي يبقى الوطن حيا بحياته,فالرأي رأيه ورأيه سديد على كل رأي سواه,ويحرم على الناس نقده أو الاعتراض على ما يراه ويقرره,والموقف موقفه وعلى المواطنين التصفيق والهتاف والإكثار من الدعاء ,وتوجيه الرأي العام نحو تمجيد الشخصية القيادية والتغني  بمنجزات الوطن التي حققها هو وبرعايته تنشط الرياضة ويعمر الإسكان ويسعد السكان,وتنمو الدولة وتستدام باستدامة ظله في الحكم التنمية التي يرعى كل مراحلها مواصلا ليله بنهاره ..... فتتعمق بذلك  فجوة الثقة بين الحاكم وبين المحكومين,لأن ثقافة العبودية تحولت من أسياد لعبيد إلى قائد(سيد) للشعب يرعى الوطن والمواطنين.أي تحولت العبودية من ولاء عبد لسيده إلى رعاية حاكم لشعبه!!.  يتحدث هذا الصنف من الحكام كثيرا عن الشعب ودوره,ويكرردعواه بأنه ابن لهذا الشعب وخادم مخلص له؟؟!!

أما عند الديمقراطيين,فيلج السياسيون ميدان خدمة الشعب باعتباره صاحب القراروالمعني بشؤون الوطن ولكل مواطن دوره ,ويعزون كل إنجاز متميز إلى وعي الشعب ورقابته ومتابعته لسلوك الحكام والسياسيين, ويتنافسون على الاستماع إلى آراء المعارضة ويرحبون بانتقاداتها لكل من يعمل في الشأن العام, وتؤخذ تلك الانتقادات على محمل الجد وتقبل برحابة صدر وممنونية.

وليس ذلك بمستغرب, فمن أسس النظام الديمقراطي أن يكون النظام مبني على التوافق بين كافة مكونات المجتمع في كل ما يتعلق   بكل مكون منه, وفي مختلف القضايا الوطنية وشؤونها العامة.

وإذا كان من فرق بين النظام الفردي المستبد وبين النظام الشمولي والتفرد بالقبض على مفاصل الدولة,  فإن هذا الفرق يكون في العادة متركزا في درجة القسوة التي يواجها المعارضون والمخالفون, وفي مستوى الاستبداد الذي يمارسه النظام  الذي استبدل قسوة واستبداد جماعة بقسوة واستبداد فرد, وهكذا يضاف ظلم الإنسان لأخيه الإنسان بإضافة ظلم جماعة الحاكم وحزبه إلى بطش أجهزة الأمن وحماية النظام, فتفقد الدولة هيبة القانون,ويسود الرعب الذي تتقلص بسببه إنجازات المجتمع وتزداد بواعث التخلف في قواه وينتشر الفساد والتكسب غير المشروع. وهذه حالة الطغيانية الجماعية, بالمقاربة مع الطغيانية الفردية.

في النظم الديمقراطية يؤخذ رأي المعارضة التي تلتقي تياراتها المحدودة عند المصلحة الوطنية بالحسبان بغض النظرعن حجمها العددي أو تراثها السياسي, لأن الديمقراطية في أحد مزاياها,انفتاح عقل على كل جديد واستيعاب النظام لكل تجديد وتطوير. وفي  النظم الشمولية يواجه النظام معارضة متعددة الأطراف والتنظيمات والجماعات والتيارات ومتنوعة التوجهات والانتماءات لأنه بطبيعته معاد لكل ماعداه متسيد على كل من لا يواليه,مستحوذ على السلطة ومتحكم بمصير المواطنين ومستقبلهم.متوهما إنه يملك الحق لامتلاكه الحقيقة,وإن معتقداته تؤهله لحكم العالم   فكيف بوطن صغير!!.

لا يعزل المواطنون حكامهم الطغاة وغيرالطغاة,بل يعارضونهم وينتقدون سياساتهم,ويتحدون مواقفهم ويقاومون طغيان الطغاة منهم,ولكن مثل تلك الحكومات إنما تعزل نفسها عن مواطنيها عندما تستهين بالرأي الآخر,وتهمل إرادات مواطنيها وتختزل مستقبل الوطن بوجودها في السلطة وتستبيح مقدرات الوطن خاصة عندما ترى في الوطن قارب يعدونه لرحلة طويلة,ولكن ضيق أفقهم يحد من قدرتهم على تصوركم هي شديدة عواصف البحر,وكم هي منحدرة مجريات الأنهر التي يجدفون فيها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد