ماذا حل بالعالم العربي؟ هل باتت شماتة العرب ببعضهم بعضا سمة عصر ما سمي زورا "الربيع العربي", فيما هو ربيع اسرائيلي وخريف دموي عربي بامتياز؟
للمرة الاولى في تاريخ الصراع مع اسرائيل نجد بين العرب من يفرح بضربات وجهتها الى بلاده أو أشقائه, وللمرة الاولى يقولها الفلسطينيون علنا: قضيتنا شأن داخلي اتركونا نحلها وحدنا مع اسرائيل, لا نريد تدخلا عربيا فيها, أوليس هذا من سخرية القدر! إذ بعد 68 عاما على نكبة العرب بفلسطين, وبحور الدم وعشرات المعارك والحروب تسقط القضية, التي اعتبرت مصيرية, من حساباتهم وتتقدم عليها القضايا الثانوية الاخرى, من تصفية حسابات الى تنكيل بشعوب وصولا الى اضمحلال دول؟
أَلم تخض المحاور العربية أشرس المعارك بين بعضها بعضا تحت شعار "تحرير فلسطين وفك قيد الاقصى و كنيسة القيامة ومهد السيد المسيح"؟ أَلم تستعر الحرب اللبنانية طوال 15 عاما تحت هذا الشعار فيما كان يحصل العكس, اذ وصل الجيش الاسرائيلي الى بيروت؟!
كم معركة اندلعت بين الفصائل الفلسطينية بحجة القبول بالتسوية السلمية او رفضها, وكم دولة عربية انقسمت معسكرين, واستنزفت ميزانياتها إما في العسكرة أو في تمويل الحروب, وفي كل ذلك كانت دولنا تضعف واسرائيل تزداد قوة, إلى ان امتلكت أسلحة نووية, في حين كنا لا نزال نسلح جيوشنا بأسلحة قديمة وبالية, وجيشها يكبر, بينما ضباطنا يحيكون مؤامرات الانقلابات, وعقولنا تهاجر, فيما العقول تتوافد عليها من جهات الارض الاربع.
اسرائيل هذه التي قيل يوما ان العرب سيرمون مواطنيها في البحر, عقدت تحالفات منذ عقود مع الدول الكبرى المتحالفة معها الدول العربية, وفيما هي تتقدم نحن نتراجع, فقد باتت واحدة من أكثر الدول حضورا في المحافل الدولية, أكان في المنتديات الاقتصادية او العلمية او البحثية او في المجالات الرياضية والفنية, فكم عالما إسرائيليا نال جائزة نوبل, وكم عالماً عربياً ترك بلاده مرغماً أو جراء الاحباط, فيما العرب يتقاتلون على السماء, وعلى التاريخ, ويغرقون في تفسير الاحلام واجتراح الشعارات الرنانة والجهاد والقتل والتكفير وتهجير بعضهم بعضا.
شئنا أم أبينا اسرائيل منذ عقود هي اللاعب الاساسي في الشرق الاوسط, تفتعل الحروب الداخلية في دوله, تحرض على الانقلابات, وللأسف تنساق الحكومات والشعوب خلفها بلا وعي, والدليل أن وسائل إعلامها كانت اول من هلل وطبل لJ"الربيع العربي" فيما كانت سابقاً تحذر من أية ديمقراطية عربية تشكل خطراً وجودياً على اسرائيل, وكلنا نعرف ما للاستخبارات الاسرائيلية من تأثير على تلك الوسائل, فلماذا فجأة انقلبت وشجعت هذا الربيع الذي دمر الدول التي طرق أبوابها وأغرقها بالفوضى والحروب الاهلية وأصبحت أكثر ضعفا وفقرا من ذي قبل, فيما من يسمونه العدو يتسلح ويقوى واقتصاده مستقر, بل ان العرب الذين يكثرون الحديث عن السلام معه لم يدركوا بعد ان تل أبيب لم تعد بحاجة الى سلامهم, لانها ببساطة تراهم ليسوا أهلا له, كما ترى أنهم أضعف من ان يحافظوا عليه.
شاهِدُنا في ذلك أنه قبل سقوط مصر في براثن فوضى الاخوان المسلمين, كانت تقوم قيامة تل أبيب وواشنطن والعديد من عواصم العالم اذا اطلقت رصاصة واحدة في سيناء, وتنشغل القاهرة بتلقي الاتصالات والاستفسارات ويجهد مسؤولوها في تقديم التطمينات والايضاحات, بينما اليوم تلوذ تلك العواصم بالصمت عن عمليات تسلل وصواريخ تطلق من صحراء سيناء باتجاه اسرائيل, فماذا تغير؟ أَلم يكن نظام الرئيس حسني مبارك حليفا لواشنطن الراعية الاولى لسياسات تل ابيب, أَليست جماعة "الاخوان" كانت لعقود في نظر العالم, وبخاصة العرب, من الجماعات الداعية الى الجهاد ضد "العدو الصهيوني"؟ فماذا تغير ليصبح شيمون بيريز صديقا عزيزا لقادة مصر"الاخوانيين"؟
يبدو أن أمة إقرأ لا تقرأ, فما كشفته الوثائق السرية عن تعاون التيارات الاسلامية مع الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية من المفترض ان يزيل اي غشاوة عن العيون, ويدحض اي شك بأن تلك الجماعات صنيعة استخباراتية غربية واسرائيلية بامتياز, اذ كيف لمن احتكر الجهاد, أن يصوب بندقيته الى صدر مواطنه تحت حجة الدفاع عن القضية الفلسطينية وتحرير القدس, التي اصبحت عاصمة لاسرائيل, وفي احسن الاحوال ستخضع التسوية السلمية الاماكن المقدسة للتدويل, و لن يرفع اي علم عربي عليها, فهل يكون العرب قد حققوا بذلك مرادهم وترجموا شعاراتهم؟
هؤلاء العرب الغارقون في بحور دمهم يتلقون الضربات الاسرائيلية الاستباقية بالتهليل والتكبير والتصفيق, وباتوا كمن يحمل كتاب إعدامه بيده, ففيما هي تشبعنا قتلا, يشبعها بعضنا شتما وتهديدا, والبعض الآخر يهلل لضرباتها أو يستبسل في سفك دم أبناء شعبه تحت عنوان "فتح الأبواب للربيع العربي أو إغلاقها منعاً لوصوله", أليست تلك مفارقة المفارقات؟
إنه حقاً ربيع إسرائيلي بامتياز!
أحمد الجارالله