الفزّاعة بين الوهم و الحقيقة

mainThumb

07-05-2013 07:28 PM

الفزاعة عالمياً هي دمية على شكل إنسان مصنوعة من القش المحشي  في ثياب تنصب في المزارع ،  تستخدم الفزاعات عادة لإخافة الطيور و الحيوانات أو كأهداف للتدريب على الرمي أو ضربات السيف أو للفت انتباه الثيران في مصارعتها ، أما محلياً فالفزاعة هي تمثال بسيط ، يتشكل من قطعتين على شكل صليب متشحة بالسواد ، ويغطى بقماش يوحي لك من بعيد أنه رجل يقف في منتصف البستان أو الحقل ،  ابتكرها  الفلاحون لطرد الطيور و العصافير  حتى لا تأكل منتوجاتهم و محاصيلهم ، كما تعمل على حماية الحقل  من اللصوص والعابثين  أحياناً ، و قد أطلق عليهً بعض الفلاحين  شرشوح القثة  ، وفي ظني أطلق عليها اسم  (الفزاعة) لأنها تفزع أسراب الطيور وتخيف  العصافير  ، وفي بعض الأحيان ، يضع الفلاحون الأكثر مكراً أفخاخاً على أطراف المزرعة أو البستان بداخلها قليل من الحبوب و الحنطة التي تجذب الطيور بعد هربها من الفزاعات  لتقع في الفخ ، و بهذا يصطادون عصفورين بحجر: الاحتفاظ بالثمار و المنتوجات الطيبة والتمتع بأكل الحوم الطيور التي وقعت في الفخ!

يصنع الساسة العرب بمهارة فائقة التميز  كل يوم   فزّاعة   جديدة، يتم نصبها في كل زاوية من زوايا الوطن ، يمنحونها حجماً أكبر من حجمها  ، يوظفون و يستثمرون وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة و المرئية الرسمية و أحياناً غير الرسمية حتى يجعلونها ترتدي الملابس المخيفة وعلى قاعدة من يملك الإعلام يملك الرأي العام  ، و بعد فترة قصيرة تصبح الشعوب تنظر إليها برعب ووجل وهي ليست سوى قطعة قماش معلقة في عصا تم نصبها في عقولهم  !في رأس كل منا   فزّاعة  لها شكل مختلف  هذه  فزّاعة  نصبها السياسي البارع ، وتلك  فزّاعة أخرى  صنعتها ثقافة الأمة التي هي عبارة عن نمط الحياة السائد بين أفراد المجتمع ، و  فزّاعة  ثالثة من صنع التربوي الماهر  ، و رابعة  من صنع اقتصادي حاذق ، و خامسة توارثناها أب عن جد .. كما حكايات الجدات و الأمهات المرعبة  ، ومهمة كل فزّاعة طرد طيور الأفكار الحرة من حقل الرأس.

لقد شاع  تعبير الفزاعة على نطاق واسع في السياسة في السنوات الأخيرة ، ورغم غرابته إلا أن استعارته من مجال الفلاحة و الزراعة  الى مجال السياسة أصبح من الأهمية بمكان  حيث يدل على قيام بعض الحكومات بالتلويح أمام شعوبها وعلى مسمع الناس من أمور  تنذر باالاخطار الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية  و التربوية على البلد ذاته  أو المواطن ، أو التلويح  أمام القوى والدول الخارجية بإمكانية دخول قوى وتيارات سياسية داخلية الى الحكم محلها على طريقة تهدد مصالحها  ، ففي بلاد الربيع العربي ،  أصبح تخويف الشعوب  سياسة مستمرة، هي أقرب للفزاعات التي تلقي يوميا في وجه المواطنين ، بداية من فزاعة الانفلات الأمني وانتشار البلطجية، مروراً  بفزاعة انهيار الاقتصاد بسبب الثورة المستمرة ، ثم فزاعة الخارج المتربص الذي لا يريد الخير للبلد و أهله  .  إن   الفزّاعة  الأكثر رواجاً و انتشاراً عندنا هذه الأيام بطريقة تدعو للغثيان ،  لها عنوان   واحد  هو :  الهوية و التجنيس   لا تستغربوا إذا قالت  لكم الحكومة  إن هذا الموضوع  هو سبب ازدياد المديونية ، و  الاحتباس الحراري ،و أخفاق البرامج الإصلاحية ،  وثقب طبقة الأوزون ، وتراجع نتائج بعض الفرق في دوري المناصير  !

من المعروف بأن الطيور و العصافير ، بعد فترة من الزمن  تبدأ بالتعوّد على  الفزّاعة  حيث يبدأ خوفها ووجلها بالتناقص و التلاشي تدريجياً حيث تكتشف ـ بطريقة ما ـ أنها وهم ، وليست سوى شيء فارغ، تدور حولها ، وتشدو و تغني على إحدى يديّ الفزّاعة ، وتأكل الحَب فوق رأسها، ولذلك فعلينا الا نستغرب من تقوم الحكومات العربية ببث و بعث  الحياة  من جديد في الفزاعات المختلقة بين فترة واخرى لخلق حالة من التوتر والاستقطاب تطغى بضجيجها وشحناتها الزائدة على البرامج الوطنية التنموية و الإصلاحية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد