سايكس - بيكو .. عجل الله نهايتها

mainThumb

07-05-2013 12:54 PM

في خضم التحالفات التي برزت في نهاية القرن التاسع عشر ضد الدولة العثمانية ، التقت مصالح الانجليز والفرنسيين والروس فتألفوا وتحالفوا كقوة مقابلة لقوة الدولة العثمانية ذات السيادة عالميا . وبعد ان راى البعض في العالم العربي ان هناك اتجاه لتتريك الدولة ، وبرزت المفاهيم القومية العربية امام مفاهيم القومية التركية ، تبنى الشريف حسين بن على – شريف مكة -  القضية العربية ، ورأى ان التعاون مع الحلفاء المناهضين للاتراك سيضح حدا لتتريك الوطن العربي ، فانشأ علاقة مع هنري مكماهون حامل لقب سير والممثل الأعلى لبريطانيا في مصر خلال الحرب العالمية الأولى وتبادل معه الرسائل بين عامي 1915 و1916 وكان موضوع الرسائل يدور حول المستقبل السياسي للأراضي العربية في الشرق الأوسط، .


وعد مكماهون الشريف حسين بن علي باعتراف بريطانيا بآسيا العربية كاملة دولة عربية مستقلة إذا شارك العرب في الحرب ضد الدوله العثمانية. ولما رأى القوميون العرب ان وعود مكماهون في رسائله على أنها عهد بالاستقلال الفوري للعرب اندلعت الثورة العربية الكبرى كثورة على الطغيان والتتريك ودعوة لاقامة الدولة العربية الموحدة في الجزء الاسيوي من الوطن العربي على الاقل ، حيث كان من الممكن لهذه الدولة ان قامت ان تكون وريث القوة والزعامة التي تمتاز بها الدولة العثمانية التي كانت بدورها امتداد للدول الاسلامية المتعاقبة منذ الخلافة الراشدة...


لكن هذه الوعود تم خرقها بتقسيم فرنسا وبريطانيا للمنطقة باتفاقية سايكس- بيكو السرية في مايو 1916 (والتي كشف عنها عام 1917 مع وصول الشيوعيين إلى الحكم في روسيا)، وانتدابهما من قبل عصبة الأمم على المنطقة.
اتفاقية سايكس بيكو سازانوف عام 1916، كانت تفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى.


تم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين نوفمبر من عام 1915 ومايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا وكانت ردة الفعل الشعبية-الرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين مكماهون.
تم تقسيم الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فأمتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.


لاحقاً، وتخفيفاً للإحراج الذي أصيب به الفرنسيون والبريطانيون بعد كشف هذه الاتفاقية ووعد بلفور، صدر كتاب تشرشل الأبيض سنة 1922 ليوضح بلهجة مخففة أغراض السيطرة البريطانية على فلسطين. إلا أن محتوى اتفاقية سايكس- بيكو تم التأكيد عليه مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920. بعدها، أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران 1922. لإرضاء أتاتورك واستكمالاً لمخطط تقسيم وإضعاف سورية، عقدت في 1923 اتفاقية جديدة عرفت باسم معاهدة لوزان لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة سيفر. تم بموجب معاهدة لوزان التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة.


قسمت هذه الاتفاقية وما تبعها سوريا الكبرى أو المشرق العربي إلى دول وكيانات سياسية كرست الحدود المرسومة بموجب هذه الاتفاقية والاتفاقيات الناجمة عنها:


•    العراق، استقل عام 1932


•    منطقة الانتداب الفرنسي على سوريا:


o    سوريا، استقلت فعلياً عام 1946


o    لبنان، استقل ككيان مستقل عام 1943.


o    الأقاليم السورية الشمالية ضمت لتركيا


•    منطقة الانتداب البريطاني على فلسطين:


o    الأردن، استقل ككيان مستقل عام 1946 (كانت منطقة حكم ذاتي منذ 1922)


o    فلسطين، انتهى مفعول صك انتداب عصبة الأمم على فلسطين يوم 14 أيار 1948 وجلى البريطانيون عنها. لكن في اليوم التالي أعلن قيام إسرائيل فوق أجزاء كبيرة من حدود الانتداب البريطاني على فلسطين وبدأ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث في 1949 (إثر حرب 1948 وبعد إلغاء الانتداب البريطاني) قسمت فلسطين إلى ثلاث وحدات سياسية: إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. في عام 1994، قامت السلطة الوطنية الفلسطينية كسلطة شبه مستقلة تأسست وورثت أجزاء ضيقة من حدود الانتداب البريطاني السابق على الضفة الغربية لنهر الأردن ومنطقة غزة التي كانت تتبع مصر إدارياً.


هذه كانت الاهداف التي اراد المستعمر تحقيقها على الارض العربية وقد كان ، الا ان هناك هدف اكثر خبثا وابشع تاثيرا على واقع ومستقبل الامة العربية يضمن للاستعمار عمرا اطول في بلاد العرب ، والذي كان يتمناه المستعمر ولكنه لم يكن يستطيع البوح به ولا حتى الاشارة اليه في اتفاقياته ، بينما يشكل العصب الاكبر الذي من اجله وضعت الاتفاقية وتم تطبيقها لاجله وهو قتل مفهوم مبدأ الحكم في اذهان وعقول الامة .


فهم البريطانيون والفرنسيون ان القوة التي تحلت بها الدولة العثمانية وساهمت في بسط نفوذها وسيطرتها على مشارق الارض ومغاربها لم تكن خصوصية العرق التركي الحاكم ، بل كان في نسيج الدولة انذاك العديد من الاعراق التي تماثل او حتى تتفوق على العرق التركي قوة وحجما وقدرة ، الا ان الموحد الاعظم للاعراق والقائد الملهم لجماهير الدولة والمدافع عنها والمحارب من اجل بقائها هو مبدأ الحكم الذي اراده  ورضي به جميع ابناء الدوله .  فاراد المستعمر من خلال التمزيق الجغرافي للامة وخلق حالة من الصراع القطري والقبلي ان يمنع او يؤخر على الاقل المناداة بتطبيق المبدأ الذي سيعيد للامة منعتها وعزتها وكرامتها وبالتالي سيدفعها للدفاع عن نفسها وانتزاع حقوقها وحصولها على المكانة اللائقة بها بين الامم على وجه الارض.
هذه المعلومات وهذه التفسيرات ليست جديدة فهي منشورة في العديد من الكتب والمواقع الالكترونية ، وقد اطلع عليها الجيل السابق من خلال دراسته في المدارس حيث تضمنت المناهج السابقة التي كانت مقررة على ابناء الصفوف الابتدائية التعريف بالثوره العربية الكبرى وباتفاقية سايكس بيكو وبوعد بلفور ، وامتلات الكتب المدرسية بعبارات المدح للحركة العربية والقدح في الاتفاقية التي دلت على غطرسة وكذب الدول الكبرى ايام الاستعمار ودلت على استهتارها بالشعوب وبحركاتها التحررية وان جل همها كان – ولا يزال – يصب في مصالحها واهدافها اي كان الطرف الاخر.


اما الجيل الذي سبق فقد عاش المأساه كاملة ، فمنهم من شارك في معارك الثورة العربية الكبرى وصفق للامير فيصل بن الحسين حين دخل دمشق على اساس مفهوم الانتصار للفكرة التي حارب من اجلها كل الجيل ، ثم فجأة وجد نفسه امام تقسيم الهلال الخصيب الى عراق وشام ، وتقسيم العراق الى جنوب ووسط وشمال ، وتقسيم الشام الى سوريا ولبنان ، الى ضم شمال سوريا لدولة اتاتورك ، والى انتداب فلسطين ثم الى غرس البلوة الممتده الى اليوم ابتداء من وعد بلفور بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين الى تقسيم فلسطين الى احتلال فلسطين وتشريد شعبها الى .. الى ما نراه الان.


وفي هذا السياق يدور في الخلد سؤال ارصد كل جوائز الاحترام والتقدير لمن يستطيع الاجابة عليه ، هل نحن مع سايكس بيكو ام نحن ضدها ؟


ان كنا معها فنحن اذا ادوات واذناب للمستعمرين ، وهذا ما لا يمكن ان يرضى به اي منا في اي بقعة من بقاع الارض العربية ، وفي اي مستوى اجتماعي هو .. والا لماذا حاربنا اصدقاؤنا الاتراك في بداية القرن العشرين وثرنا في وجه الدولة العثمانية ؟ وماذا كان يعني شعورنا القومي الذي تمرد وانطلق حين برزت مشاعر قومية تركية في الدولة العثمانية ؟ حينها وضعنا المبدأ المشترك الذي يحكم الجميع في الدولة في الدولة العثمانية على جنب – الاسلام -  واجلنا موضوعه لحين اقامة الدولة القومية ثم نستعيد مبدأ الحكم في اوقت المناسب على مهلنا وعلى هوانا.


ولكن عندما حلت علينا نكبة سايكس بيكو حرمتنا من حلمنا بالدولة القومية الكبرى ، ومدت امد تأجيل المبدأ الذي كنا سنستعيده بعد التحرر الى اليوم وبدون سقف انتظار ولا اجل محدد واصبحنا نتعايش مع  مفهوه الاجل غير المسمى سواء لاقامة الدولة او لتحكيم المبدأ.


اذا هل انتصر الاستعمار تماما ونهائيا ؟


نعم انتصر علينا الاستعمار وانهزمنا امامه في معركة الوطن والمبدأ تماما  ولكن ليس نهائيا.


والدلائل على على انه انتصر علينا تماما كثيرة اهمها اننا حاربنا اتفاق سايكس بيكو عند صدوره بالانتفاضات وبالثورات  الى درجة اننا درسنا رفضه في مدارسنا ليعرف القاصي والداني منا سوء نوايا المستعمر ولنحذر منه ومن نواياه بينما نحن اليوم ندافع عن افكار واهداف ذلك المستعمر من خلال تكريس الانقسام والافتراق والاختلاف التي ارادها لنا ليس بين سوريا ولبنان والعراق والاردن وفلسطين فقط بل داخل سوريا وداخل العراق وداخل لبنان وداخل الاردن وداخل فلسطين. اذا نحن الان وبحقيقة تواجدنا وحالنا فاننا نخدم الاستعمار ونستمر في خدمته ، ونتنكر لثوراتنا وما قام اجدادنا من اجله .


كما ويحارب حكامنا بل بعض احزابنا السياسية وبكل قسوة المبدأ الذي اجلناه عند الاختلاف مع الدولة العثمانية والذي سيعيد لنا العزة والكرامة ان حكمنا بة ويحاولوا جاهدين .


لكن حركة الجماهير الخجولة في بدايات الربيع العربي وانتقال تلك الحركة الي عامل ضاغط بقوة ومؤثر بوضوح وما نتج عن تلك الحركات حتى الان يدل على ان انتصار الاستعمار ليس نهائيا ولم يكن ، ولن يكون له قدرة على الاستمرار طالما ان معركة التحرر قد بدأت من جديد ، والاستعمار يعلم من قراءته  للتاريخ ان نجاح وتزايد قوة الدول الاسلامية المتعاقبة ونجاح وقوة الدول الغربية القوية منها لم يكن الا بعد ان تنجح فيها حركات التحرر ليس من الاستعمار فقط بل ايضا من الاستبداد الفكري الذي تمارسه الانظمة المستبدة ضد شعوبها.


هذه امريكا بعد حرب الاستقلال ، وهذه فرنسا بعد الثورة ، وهذه الصين بعد حرب التحرير ومعركة البناء، وهذه اليابان حتى بعد الهزيمة النكراء في الحرب العالمية الثانية ، كلها وغيرها الكثير حالات ومشاهد واوضاع وامثلة تدل على ان صحوة الامة العربية المتمثلة في الربيع العربي وما سينتج عنه من سقوط لاقنعة وتعرية لعورات سيمهد الطريق امام الانتصار الاكبر على نواتج حقبة الاستعمار ، وستسقط الامة سايكس بيكو بكل مكوناتها وتعود للامة عزتها وكرامتها وتستعيد عافية اقتصادها لتتبادل عملات مدعومة بالذهب والفضة لا بدولار لا يملك حقيقة الا عشر قيمتة المعلنه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد