فشل الليبرالية أم فشل الليبراليين؟ - د . هالة مصطفى

mainThumb

27-04-2013 01:54 PM

 دعيت مؤخرا للمشاركة في مؤتمر عقد ببيروت بعنوان تحديات الليبرالية العربية تحت رعاية منتدي الليبرالية الدولية ومؤسسة فريدريش ناومان الالمانية وشاركت فيه نخبة من الشخصيات الاكاديمية والحزبية من مصر وبعض الدول العربية والأوروبية‏.‏

 
 
وعلي مدي يومين دارت المناقشات حول الصعاب السياسية والاجتماعية والثقافية التي تواجه الأحزاب والتيارات الليبرالية عموما في الواقع العربي, ومثل أي مؤتمر فقد طرحت الكثير من الأفكار والآراء دون الانتهاء الي حلول حاسمة ليظل الجدل مثارا حول أزمة الليبراليين في زمن الربيع العربي وتحدي عمليات التحول الديمقراطي في مجتمعاتهم و موقعهم أو دورهم فيها.
 
وعلي الرغم من أن الديمقراطية بمفهومها وتطبيقاتها المعاصرة ــ كانت ولاتزال ــ جزءا لا يتجزأ من المذهب الليبرالي, الذي يقوم علي فلسفة الحرية والاعلاء من قيمها علي كافة المستويات, الا أنه في الحالة العربية اختزل الأمر الي الحديث عن الديمقراطية في جانبها الاجرائي, من تكوين أحزاب وتنظيم انتخابات وتشكيل مجالس نيابية وغيرها, دون قيمها ومبادئها الليبرالية التي تترجم في الدساتير والقوانين والتشريعات وفي سيادة القانون وضمان وكفالة الحريات العامة والخاصة. ولذلك فالليبرالية تعد من أكثر المذاهب الفكرية نجاحا وانتشارا علي مستوي العالم لكونها تربط تقدم الدولة والمجتمع بتحقيق السعادة الفردية ايضا. والمعروف أن الدول المتقدمة هي الدول ذات التوجه الليبرالي. بعبارة أخري, وبصرف النظر عن الانتقادات التي توجه الي الليبرالية من خصومها, الا أن الشيء المؤكد أن التاريخ الانساني لم ينتج الي الآن نموذجا متكاملا لتحقيق التقدم أفضل من هذا النموذج, وما حاولته المذاهب الأخري الكبري التي ظهرت ردا علي المذهب الليبرالي مثل الماركسية, أو بالتناقض الكامل معها مثل الفاشية والنازية, أو علي مستويات أكثر محلية مثل النموذج القومي العربي( بتنويعاته من البعثية الي الناصرية) وصولا الي نظام دولة ولاية الفقيه في ايران الشيعية و نماذج اسلامية سياسية أخري علي مستوي أقل في العالم السني, كلها لم تنجح في ابتداع نموذج متكامل للنجاح أو قابل للاستمرار أو يخرج عن نطاق الخصوصية الشديدة أو الظرفية التاريخية. بل أن الليبرالية نفسها كانت ــ تاريخيا ــ هي الأسبق لتطوير أفكارها مثلما حدث في الثلاثينيات مع أزمة الكساد العالمي من خلال النظرية الكينزية وايضا في عصرنا الحالي مع ظهور مفهوم دولة الرفاهة, الذي يقر بتدخل محسوب للدولة في الاقتصاد والسياسات التوزيعية, من أجل دعم برامج الرعاية الاجتماعية وضمان العدالة للقاعدة العريضة من المجتمع.
 
باختصار, إن الليبرالية كمذهب فكري و كنموذج سياسي واجتماعي لا تعاني مأزقا أو أزمة علي المستوي العالمي, ولكن بلا شك الواقع مختلف في العالم العربي.
 
فعلي مدي التاريخ, لم يعرف العرب سوي تجربة ليبرالية قوية وحيدة, وهي تلك التي يطلق عليها الحقبة الليبرالية الأولي, التي امتدت من أواخر القرن التاسع عشر وحتي الأربعينيات من القرن العشرين وكانت مصر في القلب منها. انها الفترة التي شهدت سقوط الخلافة العثمانية وازدهار حركة النهضة و الاصلاح والتحديث علي كافة المستويات تقريبا. ودون الدخول في كثير من التفاصيل, فمن المهم التأكيد علي أن الأفكار والمبادئ الليبرالية انتشرت وترسخت بفعل المساهمات والجهود الفردية لشخصيات فكرية وسياسية وادبية و دينية امتلكت الرؤية الواضحة في الفكر و الشجاعة في تحقيقها علي ارض الواقع فاستحقت الريادة وذلك قبل أن تترجم في أطر مؤسسية و حزبية. لذلك عندما تذكر هذه الحقبة لابد وأن تقترن باسماء بعينها وليس فقط بأحزاب و مؤسسات( مثل طه حسين, لطفي السيد, محمد حسين هيكل, قاسم أمين, الطهطاوي ومحمد عبده, وبعد ذلك توفيق الحكيم و نجيب محفوظ وغيرهم).
 
ولكن وكما هو معروف, لم يأت منتصف القرن الماضي حتي كانت هذه الحقبة قد وصلت الي نهايتها بفعل الانقلابات العسكرية والدخول في مرحلة جديدة قادتها دولة الاستقلال التي تبنت مشروعا قوميا مغايرا أدار ظهره للتجربة الليبرالية وأتي عليها بالكامل فكريا و سياسيا. ورغم ذلك فقد بقيت آثار تلك الحقبة الي وقتنا الراهن من خلال بقايا مظاهر التحديث علي مستوي صناعة الدستور والقانون والمواطنة و حرية الابداع وفي الفنون والآداب والثقافة عموما, والتي ما زالت القوي المدنية تجاهد للحفاظ عليها.
أما التجربة الليبرالية الثانية, التي نشهدها الآن, فهناك الكثير من التحفظات عليها أهمها أنها ولدت في مناخ سياسي واجتماعي وثقافي مغاير ومناقض لمناخ الحقبة الأولي, بل ومعوق لمبادئ الليبرالية وأفكارها. كذلك لم تعرف هذه المرحلة بوجود قيادات فكرية تمتلك رؤية متكاملة قادرة علي أن تحدث فرقا علي المستوي السياسي والاجتماعي. وتمخضت تلك التجربة عن وجود طبقة من رجال الاعمال منحت صفة الليبرالية ولكن دون توجه ليبرالي حقيقي بعكس طبقة رجال الأعمال التي نشأت في الدول الليبرالية وكان لها مساهماتها السياسية والاجتماعية في نهضة تلك الدول. أما في الحالة العربية والمصرية خصوصا فقد دارت تلك الطبقة في فلك السلطة وارتبط وجودها صعودا وهبوطا بعلاقتها بها. ولم تكن الأحزاب التي حملت نفس الصفة( قديمها وحديثها) بأحسن حالا. فحزب الوفد الحالي ليس هو الوفد القديم ذا التوجه الليبرالي ولكنه اختلف واتخذ طابعا يمينيا محافظا. أما الأحزاب الليبرالية الجديدة فقد نشأت متفرقة دون حد أدني من مشروع متكامل يجمعها ويميزها, بل أصبحت هناك ظاهرة حزب لكل شخص وليصبح لقب رئيس حزب مقدما علي المشروع الفكري والسياسي. لذلك بدت هذه الأحزاب صغيرة في حجمها وتأثيرها بعيدة عن أن تشكل كتلة كبيرة أو متجانسة وربما أرادت تعويض ذلك بتحالفات مرتبكة مع اليمين واليسار والتيار الناصري وبعض من التيار السلفي في تناقض ايديولوجي واضح لا يقوم علي اساس و لايبدو أنه سيفضي الي شيء ايضا. ولاشك أن الاعتماد علي الخطاب الاعلامي لن يكفي بدوره لتعويض هذا الضعف.
 
صحيح أن هناك جهودا تبذل ولكن لابد من الاعتراف بأن هناك ايضا خللا ما في التجربة الليبرالية الحالية وأنها في حاجة إلي مراجعة.
 
 
* الاهرام


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد