كان أغلب ظننا إن ازدواجية المعايير مقتصرة على السياسات الامبريالية وقواها المتحزمة بمجموعات من المجندين والعملاء في مختلف مواقع الجغرافيا السياسية التي ترى لها فيها مطامع ومصالح أمنية, هذه القوى التي ما انفكت تستغل كل لحظة تاريخية تعود بالضرر أو الخراب أو الإساءة أو التشويه أو التشهيربمواقف العرب المصنفين خارج الطوق المحكم للسيطرة العسكرية الأمنية الاقتصادية التي ترزح تحت نيرها مجموعة نظم عربية لم ترعوي علاقة وشائجية ولم تلتفت إلا إلى تنفيس أحقاد تاريخية تعتمل في نفوسها حزنا منها على نفسها.فهي,أي تلك النظم العربية, تملك ثروة كافية لأن تجعل منها أوطانا لشعوبها تمتلك قرارها,وتتمتع باستقلالها السياسي والاقتصادي,ولكنها أصبحت مستوطنات لقوى العسكر الغربية-الأميركية ,تستقوي بها وتلوح للعرب المتحررين من هكذا خضوع بالويل والثبور وبتحفيز (ثورات شعبية!!) ما لم تسمع قرقعة القوة الوهمية التي تبدو تلك النظم إنها تملك ولو شيئا يسيرا منها.
هكذا الأوضاع العامة اليوم دول عربية تستوطنها قوى القواعد العسكرية الأجنبية,تسعى لتثوير شعوب (أشقاء) عرب تستقل دولهم عن قوى امبريالية ليس في تاريخها ما يبرراحترام عمل صنعته أو جهد بذلته لم يلحق بالأمة العربية أذى,ويحبط فعاليات شبابها ومثقيفها والمتنورين من مفكريها الساعية نحو التنمية المتصلة المنجزات في مختلف المستويات؛ تنمية بشرية؛تنمية علمية؛تنمية تقنية؛تنمية صناعية؛تنمية زراعية؛تنمية اقتصادية؛تنمية تعليمية....وتركزت سياساتها على استعمال قوى الترهيب والتخويف كي تظل إرادة أمة عريقة رهينة لرغباتها وأطماعها عبر كل تاريخها منذأكثرمن قرنين من الزمان وحتى اللحظة على الإطلاق.
عندما ارتكبت القوى الدولية !! والمجتمع الدولي!!مجنحة بقوى عسكرية عربية ومنطلقة من أراض عربية, جريمة غزو العراق وتدمير تراثه وشواهد عزته القومية والوطنية تحت ذرائع مختلفة, وقتلت قبل ذلك بحصارساهمت فيه دول الجوار كلها العربية والإسلامية والصهيونية (باسثناء الأردن بقرار دولي) أكثر من خمسمئة ألف طفل عراقي,اعتبرته مادلين أولبرات وزيرة خارجية الولايات المتحدة آنذاك – ثمنا عادلا- للحرب ضد العراق,على الرغم من إن ذلك الحصار كان ,حسب المعايير البترولية – الامبريالية من أجل إنقاذ الشعب العراقيومن أجل الديمقراطية,وعلى إثرها وبعد الاحتلال تشرد أكثر من أربعة ملايين عراقي لجأوا إلى دول الجوار ومنهم من هاجر إلى دول عديدة ,ومنهم من لجأ إلى أرض عراقية تسيطر على نوازع انفصالية مبنية على دوافع عرقية لن تمكنها من السياسات الاستعمارية من تحقيق أهدافها سوى ما يتعلق منها بإضعاف العراق وتشتيت قواه وتجزئة مرتكزات قوته التاريخية والحضارية. وقيد وقتها ما صدق قوله فيما بعد :أكلت يوم أكل الثور البيض.
لم يحظ اللاجئون العراقيون والفارون من بطش قوى الاحتلال ومواليهم ومجنديهم من العراقيين وغيرهم باهتمام أممي كما تتباكى بعض الدول اليوم على المهجرين السوريين الذي كانوا ضحية لأعمال إرهابية ومعارك عسكرية لحرب تبنت أسبابها ومواردها بشكل مباشر كل من ,أميركا ,فرنسا, انجلترا ,إضافة إلى قطر والسعودية والعثمانية التركية, ودول أخرى ملزمة بالطاعة للرغبات الأميركية وتنفيذ طلباتها وتبني مواقفها السياسية والدولية.
في العراق استمرت أعمال القتل الطائفي والعرقي والإثني,وما زالت لتفتيت القوة التعددية التي تكفل لأية أمة ولأي وطن ولأي مجتمع رونقه الحضاري وتكسبه المنعة الثقافية,والتوافق السياسي والتآخي الاجتماعي,وتحصن نظامه ضد الطغاة وضد الغزاة,ولكن أحدا من ذوي (القلوب الرقيقة والعواطف الحزينة في المجتمع الدولي!!) لم يكلف نفسه بالحديث عنها أوذكرها أوالتذكير بها,فهي طبيعية الحدوث لأن مسببيها (أحرارومتحررون,ديمقراطيون,يحافظون على حقوق الإنسان ويصونون كرامته!!),أما المجبرون على الهروب من المدنيين السوريين وغيرهم فهي حالة تستدعي التباكي, وتستغيث بالقيم الإنسانية التي تحتم على (أصدقاء!!) الشعب السوري إمداد مجنديهم بالسلاح والمال والخبرات العسكرية والمعلومات الاستخبارية من مختلف الخبرات الأنجلو- أميركية, والفرنسية المهترئة سمعتها من تاريخها الاستعماري ومن فساد قادتها المرتشين من المال السياسي اللبناني ( الرئيس الأسبق جاك شيراك) والمال الليبي (الرئيس السابق ساركوزي) التي تقتضي المزيد من الاقتتال والتدمير والتفجير والتخريب.
استقبلت سوريا أكثر من مليون لاجئ عراقي بسبب العدوان الغربي الأميركي وبعضه العربي على العراق واستمراره,ولم نسمع شكوى سورية من استقبالهم,أو تذمرا من عددهم ولم تــُقم لهم سوريا مخيمات تستعطف المساعدة الدولية كما تفعل تركيا الغنية القوية وكما تفعل الأردن (ربما المعذورة بسبب ضعف اقتصادها).
ومن حرصهم على القيم الإنسانية ,ومن خوفهم على حياة الأبرياء,ومن تعاطفهم مع النساء والأطفال ومن إحساسهم المرهف بمأساة المهجرين واللاجئين السوريين,يدعون إلى تقوية مجموعات كثيرة من عناصر قتل الأبرياء وطردهم من بيوتهم وسرقة مصانعهم وتخريب مزارعهم بمدهم بأسلحة متطورة وكأنهم يفعلون كل ذلك بأظافرهم وصدورهم العارية!وليس بالمال الوفير والأسلحة الكثيرة التي تصلهم عن طرق البر والبحر.
ومن شدة خوفهم على حياة الأبرياء يدعون إلى إقامة مناطق عازلة في داخل أراضي القطر السوري,ويحصنون الحدود بالدروع الصاروخية ,والقباب الحديدية التي يخشون أن يطلقها عليهم الجيش السوري الذي يخوض حربهم على أرضه ,وهي في واقعها استعداد لأمل أن يبدأوا بشن هجوم عسكري تقوم به قوات الناتو من قواعدها في تركيا العضو الرئيس في المنطقة لتمدد الغرب وضمان أمن الكيان المحتل لفلسطين وغيرها, على سوريا لمساعدة الشعب السوري في( ثورته) وإتمام مهمة تدمير سوريا كي تبتهج قطر وتفرح إسرائيل وترتاح السعودية وتستكمل قوى الامبريالية سيطرتها المطلقة على كل ما هو عربي ناسا وثروة وتراثا وثقافة وجغرافيا وكل ما يمت للعرب بصلة.
سيطول بكاء أجيال العرب من سؤ أعمال بعض قادتهم بأقطارهم وبأقطار أشقائهم وعليها لما جلبته عليهم من متاعب ومن مآس ومن مخازسيدفعون ثمنها من مستقبلهم,ومن حرياتهم ومن حقوقهم الوطنية والإنسانية.وسيكتوون بانخداعهم بوعود الغرب والمتغربنين والعثمانيين الذين صورا لهم أنه عندما يتعدى عدد القتلى عدة آلاف في سوريا سيهب المجتمع الدولي للانقضاض على سوريا وتدميرها كي تخلو له (للثوار) الساحة للسيطرة على الحكم كما في ليبيا الآن!!ليجدوا أن أصل الموضوع هو أن يستمر القتل والتدمير,وها هي أعداد القتلى تفوق ما أشاعوا تدفع الثمن وما زالت ذات القوى تدفعهم لمزيد من القتل لأن الهدف أن تدمر سوريا وأن تتفتت إلى فصائل وطوائف تمتهن الاقتتال والإنهاك لقدرات بعضها البعض برعاية قوى خارجية تبتهج لهذا الدرك الذي قد تصل إليه الأمة.