النظام المأزوم

mainThumb

21-04-2013 01:47 PM

تمر المجتمعات الإنسانية بأنواع مختلفة من الأزمات,وهي ظاهرة تحدث على الصعيد الفردي   والعائلي وعلى تجمع من الأفراد كما تمر بها تنظيمات بأهداف سياسية أو اجتماعية أوخيرية أو مهنية... ولعل أشهر أنواع الأزمات وأكثرها انتشاراوألفته الشعوب تميله الأزمات الاقتصادية التي مرت وتمر بها مختلف الدول بغض النظر عن طبيعة النظام وشكله وعن نمط الديمقراطية ونوعها.وهو ما تشهده العديد من الدول الأوروبية في المرحلة الراهنة.

 

وللأزمة معان عديدة تلتقي في معظمها عند وصفها بأنها نقطة تحول ناتجة عن أوضاع سياسية , اقتصادية أو اجتماعية تهدد بتغيرات سلبية مفاجئة,تطال في نتائجها السلبية الأفراد من مختلف مستويات المعيشة بمقادير مختلفة ,كما تطال المجتمع بمختلف مكوناته البشرية ومؤسساته التجارية والصناعية والخدمية....

 

وتنشأ الأزمات, في معظم الأحوالووبأنواعها المختلفة من عناصرداخلية وأسباب ذاتية وعوامل محلية المنشأ والمصدر ,وقد تنشأ نتيجة تدخلات خارجية مباشرة أو غير مباشرة تترك آثارها على قضايا المجتمع المحلي سواء كانت دوافعها مقصودة أو بلا قصد مباشر منها.

 

أشكال نظم الحكم وأنماطها وأنواعها وتشكيلاتها ودواعيها هي اليوم في متناول الجميع من المعلقين والدارسين السياسيين والمحللين والمفكرين التنمويين,وقد أتت علوم السياسة على كافة تفاصيل    نشوئها عبر مراحل تطورهاالتاريخي الذي يتسم بميزة ربما تحتاج إليها العلوم الأخرى,حيث مرت هذه النظم بتجارب عملية رافقتها دراسات تحليلية دقية ودلل على نتائجها منجزاتها الميدانية على المستويات المحلية والدولية, وهذا بدوره ساهم في تراث أدب المفاضلة بينها وأغنى تراث الإنسانية على رسم خرائط مكوناتها بكل تفاصيلها وبكل مفاصلها. 

 

في مقالة سابقة أتينا على دلالات النظام المأزوم المختلفة وشواهده التي تؤدي تلقائيا إلى أزمة  مجتمع تلف كل الفعاليات والأنشطة التي تأخذ مجراها في ذلك المجتمع,من سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية  وثقافية وتعليمية وتربوية.ولعل اعتياد المجتمعات,كل المجتمعات بغض النظرعن طبيعة النظام الحاكم وعن نوع الحكم ومنظماته السيادية والتقليدية, على مواجهة أزمة قطاعية بين فترة وأخرى محكومة بطبيعة التغيرات التي تشهدها المجتمعات المعاصرة في ميادين العلم     ومنتديات الفكرومبتكرات التقنيات ومخترعاتها.فلم ينجو مجتمع من أزمة اقتصادية في مرحلة    تطوره وتنمية موارده,ومنها من شهد أزمة طائفية وأخرى مرت بأزمة سياسية وغيرها عانت من  أزمة  عرقية وإثنية وعصفت موجات من الفتن مجتمعات اتسمت معظمها بأنها مجتمعات لم تتعرف بعد على المنظومات الديمقراطية بوسائلها وبقيمها,وظلت فريسة لتأخر وتيرة التنمية بأوجههاالتعددية بروابطها النهضوية خاصة ما يتعلق منها في مجالات التربية والتعليم وفي العلوم ومخرجات البحوث العلمية والإنسانية والأدبية والفكرية .

 

وإذا أردنا أن نصنف الأزمات من ناحية زمانية بحته تقيس زمن حدوث الأزمة وبقائها دون حل,وما يترتب على ذلك من تراكم نتائجها التي تؤدي حتما إلى قيام نوع آخر من الأزمات لإغنه يمكنناالقول إن هناك أزمات طارئة  تواجه في ظرفها وفي موضوعها وتجاوز نتائجها السلبية وأخذ العبرمن مسبباتها ومحفزاتها؛وهناك أزمات غالبة أي تكون دائمة أو شيه دائمة ,تتكاثر وتتوالد وتأخذ طابع الاستدامة نتجة دوام الخلافات والاختلافات واستمرارها حول مناهج الاقتصاد وبرامج التنمية,وحول طبيعة التحولات التي تجابه المجتمعات المعاصرة في مجمل ما تتبعه من سياسات محلية وأمميةومن ارتباطات إقليمية ودولية,ومن ممارسات محلية مرتبطة بحريات المواطن وحقوقه الأساسية وحقوقه الطبيعية,ومن مرجعيتها التشريعية والقانونية,ومن تجاوب مؤسساتها مع حاجات المواطنين ومطالبهم,وأسلوب معالجة القضايا الأمنية والوطنية وعلاقاتها بالمعارضة والخارجين عن الطاعة والمنشقين عن   الهياكل السياسية والتنظيمية والإدارية للنظام.وهي الأزمات التي تنشأ بالضرورة    عن حكومات أو نظم حكم مأزومة

 

الأزمات الطارئة ظاهرة تحدث في كل المجتمعات وتشهدها كافة التجمعات والمؤسسات بمختلف  أنواع أنشطتها وفعالياتها,كما قد تأخذ طابعا فرديا يعاني منه الفرد ويستحوذ على وضعه في مرحلة ما.

 

أما الأزمات الغالبة فمردها إلى طبيعة تكوين النظام الحاكم ومرجعية سياساته الفكرية والأيدولوجية التي تكون ذات آثار مباشرة على الوضع العام في المجتمع,يلمسها كل مواطن ويعاني من نتائجها ضحاياها وإلى منطلقاته الفكرية والأيدولوجية والعقائدية التي تستوجب نوع السياسات الإدارية وتفرض أنماط قراراتها التي تستهدف تطويع المجتمع (وإعادة صياغة قيمه وأخلاقه).وهذه الحالةالتي تنشأ عادة كنتاج متوقع لكل الفكر الشمولي والمرجعية الأيدولوجية المنغلقة على ذاتها ترى مالها فحسب دون التفات إلى ما عليها.فكر ينغلق على منطلقاته,لا يستطيع أن يستجيب إلى موجبات  التغيير ولا يقوى على مجارات ضرورته لاعتباره مثل هذا التحول خروجا على المألوف وانشقاقا عن الصفوف وخيانة المبادئ.                                                                                        

 

العقائد الشمولية الرؤى والسياسات وعمومية الطروحات تقع في فخ التناقض الذاتي بين واقعها وبين متطلبات عصرها وبين معتقدها ومتطلبات الوفاء بالتمسك بنصوصها وموادها,فهي إن حكمت   تمسكت بما تعتقد به كمرجعية لا قبلها ولا بعدها من عقائد, وقد تسمتع إلى أفكارمن كافة مكونات المجتمع ولكنها لا تستجيب لغيرما تفكر فيه مسبقا,فالحوار بالنسبة لها له أتجاه واحد فقط ,إما أن  تستمع إلى الآخرين فلا تأخذ بشيء مما بقولونه أو تُسمعهم وتريدهم أن يسمعوا ويطيعوا. والعقائد الشمولية تظل أسيرة رؤى سبقها زمنها وفات أوانها وجاوزها واقعها دون إدراك منها,وتقيد نفسها بقيود تنظيمية توجه حركتها باتجاهات متضاربة مع الاتجاهات الطبيعية في مسار تطورالمجتمع البشري,فتبقى تعاني ما أزمة ذاتية تنعكس حكما على تأزيم المجتمع المبتلى بحكمها. 

 

الفكر المنغلق على طروحاته وعلى ماضي أدبياته,ووقائع تاريخه الذي انقضى,كالغرفة أحكم  المقيمون فيها الإغلاق على كل متنفساتها,يشهق من فيها هواءها ويزفراكاسيد الكربون فيها  إلى أن تستهلك ما فيه من أكسجين,فيزداد تركيز ثاني أكسيد الكربون وما يحمله من أوله,فيفقد سكانها عن الوعي ويترنحون لانعدام توازنهم ويدخلون في أزمة صحية نتائجها  شديدة الضرر على حاضر   الوطن ومعلى مستقبله!!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد