في وصفه للديمقراطية بتشبيهها بالمركبة التي ما أن تصل بك إلى مرادك تتركها,الذي نقله العاهل الأردني عن السيد الطيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الحالي,وهو يشغل منصبه كرئيس وزراء منتخب لفترتين بالطريق الديمقراطي الذي سارت في دروبها تركيا حقبة طويلة من الزمن,منذ عهد كمال أتاتورك الذي وضع حدا لحكم الخلافة العثمانية التي انهزمت في الحرب العالمية الأولى لتسلم ولاياتها العربية إلى القوتين المستعمرتين فرنسا وبريطانيا المنتصرتين في تلك المرحلة.
أراد أتاتورك نقل تركيا إلى ركوب موجة العصر الجديد الذي فرضته التقلبات العقائدية وتغريدات المبادئ السياسية والاقتصادية التي تمكن الغرب بواسطتها التمكن من مفاتيح حضارة العصر الجديد, فلم يجد من بدائل للديمقراطية كما هي في الدول الغربية التي حققت منجزات تنموية وسيادية خلالها أغرت كل القوى المتطلعة إلى المعاصرة ونقل مجتمعاتها من مستوى تنموي تقليدي وبطيء إلى مستوى التسارع الذي تتصف في التنمية المعتمدة على العلم وعلى الحريات الفردية وتحرير العقول مما يعوق انطلاقها نحو التفكير الإبداعي والوعي الاستشرافي لمعالم الحياة الجديدة وعناصرها التي تضفي عليها مواكبة التحديث والتطور,واستيعاب تقلبات التغيير وأطواره.
ومقولة السيد أردوغان في فهمه للديمقراطية وتفسيره لمعناها,تتطابق مع المبادئ السياسية التي تتبناها الحركاتالجماعاتالتيارات الدينية المسيسة بشكل عام, وتعتنقها جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي السيد أردوغان وحزبه الحاكم في تركيا إليها.وقد سبقه إلى ذلك إعلان الحركات الدينية المسيسة في الجزائرالتي تمكنت من حصد مقاعد أغلبية كبيرة في انخابات الجزائر قبل حوالي ثلاثة عقود من الزمن,بانتهاء المرحلة الديمقراطية بعبارة باي باي ديمقراطية,وقامت الحكومة الجزائرية وقتها بإلغاء نتائج الانتخابات وتلاها العمل المسلح الذي قامت تلك الحركات به وذهي ضحيته كالعادة عشرات الآلاف من المدنيين والعسكرين والإسلاميين وكان من المؤلم تبرير هذه الخسائر البشرية والمادية والمعنوية بأنها رد مشروع على إلغاء السلطات الجزائرية نتائج الانتخابات,ولم يكن إلغاء تلك النتائج عملا مشروعا بالمفاهيم الديمقراطية,فوقع التبرير في خطيئة الخلط بين الحق في السلطة وبين الحق في الحياة!!.
وعلى الرغم من اعتباربعض القوى السلفية ,الديمقراطية كفرا صراحة وعلانية,إلا إنهم لم يمتنعوا عن ممارسة العملية الانتخابية التي تعتبر من الممارسات الديمقراطية اللازمة,وتحت شعارات الديمقراطية لتحقيق مكاسب نيابية بالوصول إلى مقاعد في مجلس الشعب في مصر.ولا يحدث ذلك لأول مرة في تاريخ العلاقة بين الديمقراطية وبين خصومها وأعدائها التقليديين والعقائديين,فقد تكررت في التاريخ السياسي الدعوات إلى الديمقراطية وتم اختزالها بالعملية الانتخابية للوصول إلى السلطة ثم تم وأدمبادئها وقيمها واعتبارها لاغية من الحياة السياسي الاجتماعية,وكان المستبدون والدكتاتوريون والعنصريون وأعداء الحرية أكثرالناس حديثا عنها ودعوة لها للتمكن من تحقيق مآربهم الشخصية الطغيانية ,أوفرض طقوسهم الشمولية على عامة الناس في المجتمعات التعددية التكوين والتفكيروالانتماء.....متغاضين عن جملة من الحقائق التي أصبح الجدل حولها جدلا لغويا بلا محتوى فكري,وخطابا حماسيا بلا معان محددة,وممارسات على الأرض تلفظها نوعية التربة التي يتمنون أن تنمو ممارساتهم عليها ,ومن أهم تلك الحقائق المعاصرة:
- إن سلطة الحكم,ليست سلطة فرد بشخصه,أو قلة لذاتها,أو نخبة محددة,أو سلطة حزبية لحزب بعينه, وهي بالضرورة لا تكون منعزلة عن واقعها الذي يشهد في كل مجتمع من المجتمعات المتحضرة مهما صغر حجمه الجغرافي أو السكاني أو كبرفي أي منهما,ومهما تعددت مكوناته أو انصهرت في بوتقة شديدة الضيق. وإلا فإنها تقع في النهاية تحت تصنيف السلطة الغاشمة المستبدة.
- وجود وقيام حراكات سياسية أو مسيسة عديدة ومتنوعة من الناشطين الأفراد والحزبيين أو السياسيين أوالحقوقيين أو الحركات النسوية, التي لها آراء أخرى ورؤى اجتهادية مختلفة, وتعي متطلبات العصرنة ودور الدولة في تسيير الأمورالعامة في المسارات التي تحددها بوصلة التوافق بين كافة المكونات الشعبية وتياراتها في كل القرارات المرتبطة بحقوق كل منها ومكتسباتها الشرعية.
- إدارة الدولة في أدبيات السلطة ومرجعيات الحاكمية العصرية,التي تنسجم مع الأعراف الديمقراطية ,والتي تدرك الأهمية العظمى لحركة التقدم الاجتماعي وذلك بضمان حقوق الأفراد الطبيعية وحقوقهم القانونية, أي إدارة الدولة, هي في كل المعاييرإدارة مؤسسات مرتبطة بوسائل إدارة الدولة, وهي بكل تأكيد ليست إدراة مختصة لا من قريب ولا من بعيد بإدارة العلاقات الاجتماعية وتوجيه الأخلاق العامة والمحافظة على القيم الشعبية وتراثها التي لها مرجعيتها القانونية والقضائية التي لا يجوز للسلطة التدخل في أي شأن من شؤونها أو إلباس نفسها ثوب الناصح والمقيم لأخلاق الناس والموجه لثقافتهم والمراقب لسلوكهم.لأنها تتحول بذلك إلى أداة حاكمة بمعاييرتحسبية تشك في كب من حولها, تجسسية الطبيعة بغيضة ومقيته,تتستربالقيام بها بتبرير فشلها في التعاطي مع القضايا الوطنية يما يحقق مصالح الناس ويحفظ لهم كراماتهم.
- لم تعد قواعد إدارة الحكم في أي موقع,سياسي,أو اقتصادي أو تجاري أو خيري أو مدني أو خدمي قابلة للتفرد بالإدارة والاستئثار بصنع القرار والاحتماءبأساليب بالتهويل والتهديد والوعيد وأدواتها.وقد عُد تفرد أي قوة بالسلطة من الخطايا الجسام لأنها لم تكتف بتجاهل مجريات وقائع تاريخ السلطة بما حملته من نتائج وعبر وما تجملت به الأمم من خبرات وأغنت تراثها بتجاربها في هذا الميدان ,بل وتجاهلت واقع حاضرها في التكوين الاجتماعي وفي المرجعيات الفكرية وفي المستويات التوعويه بالحرية,وفي السعي بهمة في الدروب النهضوية التي تنتقل المجتمعات بها إلى معايشة زمنها ومعاصرة منجزاته وعلومه.
- من سجايا المبادئ الشمولية اعتقاد حامليها أنها تحمل نتائجها (الخيرة) ومنافعها (للعامة) منذ بدايات العمل بها والشروع في تهيئة البيئة المناسبة لها وذلك بالتغلغل إلى مفاصل السلطة بكل نفاصيلها وطمس معالم التمييزبين السلطة وبين الدولة,ويغلب عليهم الظن إنها بذلك تستدعي منهم حالة عداء مستحكم مع مخاليفهم ومعارضيهم وناقديهم من داخل جسمهم التنظيمي أو من خارجه.وفك الرابط بين الشعارات والمطالب التي سبقت فترة الاستيلاء على السلطة والعمل بنقضيها ما دامت التعاليم المكيافللية تطبق بحرفيتها.ويبدو إن المبادئ المكيافللية في تطبيقاتها الانتهازية والمبادئ الشمولية في توصيفاتها صنوان لا يفترقان.
أما ما يتعلق بالمناداة بالديمقراطية والحديث عنها بمناسبة وبدون مناسبة,فلا يضيرهم بعد أن أيقن الديمقراطيون أن أشد أعداء الديمقراطية أكثرهم حديثا عنها!!.وهم بذلك يريدون النظام الديمقراطي ولكن بدون أي ديمقراطية!!.