منذ بداية تحريك الأحداث المخططة مسبقا في الوطن السوري,أدرك الوطنيون من أبناء الأمة العربية الذين يحرصون على مستقبلها في عصر لم يبق خيارا لأحد سوى السعي الجاد المخلص نحو التقدم ونحم التحضر بمواكبة أدوات العصر ووسائله, والاستجابة الواثقة مع مفرداته الثقافية التقدمية دون خوف أو وجل أو تردد,خاصة وإننا أبناء أمة صنعت حضارة تركت بصماتها الواضحة على حضارة العصر,أدركواأن عناصر هذا الحراك في الداخل,ومؤيديه المتحمسين له من خارج سورية,لايستخدم أي منهم ولا يؤمن على الصعيد الفردي أو على صعيد المؤسسات الإعلامية أوعلى صعيد الدول بأي عمل ثوري في أي مجال حياتي.بل على العكس تماما من ذلك, كلهم يخشون من لفظ الكلمة أو سماعها ويحاربون بكل قسوة وشراسة أي اتجاه أو فرد أو جماعة أو تنظيم يؤمن بها في سره أو يقول بها في العلانية.
فلنأخذ على سبيل المثال,مجموعات الدول,باستثناء الدول الأوروبية وأميركا المعروفة نواياهم الكامنة ومقاصدهم التي عبروا وما زالوا عنها بكل صلافة وعدوانية وقد أصبحت معروفة ومكشوفة عبر تاريخها الاستعماري الطويل,التي (تساند ثورة) الشعب السوري علنا وحماسة معنويا وإعلاميا وتسليحا وتدريبا؛ من زاوية مبدئية؛وأخرى تاريخية ؛وثالثة مصلحية ؛
المجموعة الأولى :الدول العربية وتشمل السعودية وقطربشكل رئيس,ومصر والأردن والبحرين والإمارات,وجماعات لبنانية وحكومة حماس التي اقتطعت قطاع غزة.وكلها أنظمة سياسية موالية للغرب.فالنظام السعودي كما يصفه البعض نظاما ثيوقراطيا (الحركة الوهابية المتشددة ) موغلا في خروجه على تقاليد العصروأدبياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية,تحميه القوات الأميركية وتدافع عنه وتدير مشاريعه عناصر أجنبية وعربية في كل مفاصل الاقتصاد والتنمية الشكلية التي تغذيها موارد النفط المالية,نظام يجلد من يطالب بالحرية إذا لم يتمكن من إعدامه بعد سجنه وتعذيبه.وهو من أشد أعداء الثورة أي ثورة تطال مصالح عائلة حاكمة لشعب ما زال يعاني مكون واسع منه من الكبت والقهرومن بؤس الفقروشقاء الجهل.وقطردولة تتولى عائلة مقاليد الحكم فيها من ألفه إلى واوه,تسكنها قاعدتان عسكريتان أميركيتان لحمايتها من جيرانها وأطماعهم بشبرأرض منها.يلعب حاكموها في السياسة بأوهام تجعل في المنطقة العربية ,في الحد الأدنى,حكومات صديقة تستحق الكرم المالي القطري,وتدعم دورها في مواجهة جوارها وتتبنى دعم جماعة الإخوان المسلمين في قيادة نظم في المنطقة لتصير نظم ليست صديقة للنظام السعودي,إن لم تكن معادية له في مواجهة مواقفه من قضايا المنطقة برمتها..
البحرين تعاني من حراك شعبي سلمي,صمت الآخرون عن وقائعه ومطالباته متعمدين وقاصدين دون حذرالحديث عن (ثورة )الشعب السوري,في مقابل صمت إزاء حراك القوى الوطنية البحرينية السلمي مطالبة بالإصلاح والمشاركة في السلطة, ومقدمة الدعم الإعلامي لمما يتم من تدمير لقوى سوريا وبناها وثرواتها,وأخذت الإمارات تشد أزرالموقف السعودي نكاية بقطر وبسياسات الإخوان المسلمين الذين تستشعر خطرهم على النظم العربية ولذلك تتصدى الإمارات لها وتعتقل أنصارها وأتباعها في أراضيها.
العائلة الهاشمية منذ إعلان الشريف حسين بن علي ثورته على الطغيان العثماني,التزاما قوميا نيرا,وفهما متنورا لمجريات التغيير والتقدم التي تشهدها أخذ النظام الأردني بمنهج الملكية الدستورية,بصيغته الأردنية التي تزاوج بين أساليب ديمقراطية وبين أبقاء خيوط التغيرات السياسية في يد رأس النظام.في الأردن لا يوزر الأمراء,ولا يتولون مناصب عامة ,وإنما يعملون في القوات المسلحة ( العمل في القوات المسلحة لا يخضع لقانون الخدمة المدنية ,وتأتي هذه المشاركة تعبيرا عن المشاركة المباشرة في حماية الوطن).ولكن يظل الاقتصاد الأردني اقتصادا معتمدا على الهبات والمساعدات,ويقوم بواجبات وعسكرية وأمنية منها العمل على تحييد الجيش السعودي عن دوره كبلد مواجهة مع العدو الصهيوني وهذا يقيد بالضرورة طبيعة قراره السياسي ونوعه,ولكن ظل الملك حسين رحمه الله مستوعبا بعناية للمواقف التاريخية,وحريصا على السجل لمواقفه من منطلق مساندة الأجنبي على العربي, وقد ظهر ذلك بوضوح في موقفه من العدوان على العراق وما آلت إليه الاستهانة بالمشاعرالعربية حتى وصل الأمربالقادة العرب وببعض القوى الحزبية والعقائدية منذذلك اليوم أن ترى في استدعاء القوات الأجنبية بكل ما يحملها تاريخها من أطماع وماالحقته سياساتها من مآس على مصير الأمة العربية وعلى أوطانها وثرواتها,والاستعانة بخبرائهاالعسكريين والاستخباريين في تدميرأوطانهم طمعا في سلطة لن تفلت من براثن الاستعمار ومجنديه ,ترى فيه عملا (ثوريا) وواجبا وطنيا مبررا تدعو إليه علنا دون تردد,بل تلوم عدو تاريخ وطنها ومصيره لعدم (التفضل) بدعمها كما شهدته ليبيا وما تشهده الساحة السورية اليوم منذ عامين.!! في تحرير وطنها!!!.ولا ننسى أنْ لا أحد يمكن له أنْ ينكر التاريخ ,ولا احد يستطيع التنصل من دوره فيما يفعل من أحداثه بالمعايير الوطنية والقومية والأخلاقية.
الفئات السياسية والدينية التي تقاتل في سوريا لا يؤمن أي منها بشيء إسمه الديمقراطية,بل تكفرها صراحة وعلانية,وهي معنية بالجهاد لفرض رؤيتها العقيدية على المجتمع,وليس في عقيدة أي منها أو في أدبياتها المسيسة كلمة (ثورة) أو ثوار.ويظل لتركيا أطماعها العثمانية التي لم تستطع الوقوف عند مآسيها ومراجعة تاريخها المدان بالمذابح والمشانق للثوارالعرب وغيرهم,وها هو اوغلو يدعي بأن افضل فترة مرت على العرب كانت في خضوعها للحكم العثماني,أما أردوغان الديمقراطي!! فيعيد ذاكرتنا إلى أراضي أجداده في بلادنا دون رمشة جفن مراعاة لداعميه من الحكام العرب بالمال والرجال (لتحريرالشعب في سوريا)!!.
تتوهم تلك الدول والفئات أن سيرها وراء مخططات تضعها لهم أميركا – اسرائيل – أوروبا بإقامة الهلال السني بقيادة إخوانية تدعمها قطر بالمال,لمواجهة الهلال الشيعي الذي تتبوأ إيران القوية مركزه,يحقق لها مصالحها,غير مدركين لدروس التاريخ وغير مستوعبين لأحداثه التي رافقت مخططات تهدف إلى مواجهات بين طرفين في منطقة مستهدفة من الأطماع الغربية الأميركية بكل مكوناتها,إن ذلك سوف يتحول دون ريب إلى حروب بينية بين أعضائها لعدم انسجام الهدف مع رؤية كل منهم,تلك الرؤيا التي يعتبرها كل طرف حتمية لتحقيق أهدافه ونيل أغراضه.وهكذا تتحول المنطقة إلى فريسة سهلة لمتحفزين لنهب ثرواتها وطمس معالم حضارتها.
ما يحدث في سورية اليوم مأساة شعب عربي له تاريخ ناصع في الحضارة,ويمثل الواقع التعددي بصورة جلية واضحة المعالم والخطوط ,لهذا ظلت سورية وشعبها عصية على التراخي أمام قوى الاحتلال والأطماع والمفارقات الوطنية التي رسمتها نظم عربية موغلة في الاستعانة بأعداء العرب وقاتليهم ومشردي شعبهم. وقع ضحية أطماع داخلية وإقليمية ودولية معلنة ومباشرة في تأثيرها على مصير الشعب وعلى مستقبله,وما سيمتد من تلك الآثار إلى دول المنطقة وإلى الدول المتحالفة معها.
كنا نظن أن ثورة يقودهاالأحرار,لا تدمر فيها البنى التحتية لوطنها ولا ترفع فيها شعارات الطائفية بين أبنائها ولا تفجر بأهلها سيارات مفخخة,ولاتقطع عنه مصادرالطاقة وتحرمه رغيف الخبز,وترتكب المجازر في علمائه وشيوخه وقساوسته,ولا تدمر بيوت عبادته ولا تهجر عائلاته......وأن كل هذا يحدث في (ثورة) يقودها الاستعماروأعوانه ومجنديه.
الشعب السوري يدفع ثمنا باهظا بغض النظرعن موقفه من أي طرف وعن معاناته مما يحدث, وعن رأيه بمن يصنع ما يحدث.الشعب السوري ضحية بكل المقاييس,وهو في الوقت عينه وريث تاريخ لا ترضخ فيه إرادته لقوى ظلامية أو جبروت امبريالية,لا تنسى منه ذاكرته ما تتطلبه إعادة التاريخ لمجراه الطبيعي وإعادة مسيرته الوطنية إلى دروب المجد الذي تغنت به كل مكونات الشعب العربي المتنورة واليقظة.