من مفاسد المال السياسي

mainThumb

22-03-2013 03:19 PM

لم يخرج المال في توصيفه عن كونه الوسيلة التي لا بد منها في ممارسة أنشطة حياتية ومتطلبات  معيشية وفعاليات سياسية واقتصادية واستثمارية وترفيهية وانتخابية عديدة ومتنوعة.وهو بذلك يكتسب أهميته التي كسبها على مر الزمن الذي تقلصت فيه تبادلات المقايضة سلعة بسلعة التي نشهدها في بعض اتفاقيات التبادل التجاري بين الدول,وإلى بعض عمليات مقايضة تتم بين الأفراد بحدود ضيقة جدا.

 

ونميز عادة بين معنيي المال والثروة وذلك بأن نقول: بأن المال جزء من الثروة التي يضاف إليها الممتلكات الأخرى العقارية والتجارية والصناعية والسياحية, والجواهر والثروات الزراعية والجوفية والمعدنية التي تملكها مجموعات أو دول أو أفراد.وكأي وسيلة أخرى من الوسائل التي يتعاطى الإنسان بها ويستعملها مكرها أو مجبرا أو مختارا لها,فإن لها وجهان أوصفتان تتماهيان مع معنى الثنائيات ومضموها التي تتسم بها المصطلحات الحيوية وهاتان الصفتان ؛ الصفة السلبية , والأخرى الصفة الإيجابية.

 

الصفة السلبية للمال كوسيلة تنشأ عن غرضين ,أحدهما متعمد ومقصود؛والثاني غير متعمد وغير مقصود.وهذه الثنائية ليست مصطلحا غريبا على اللغة أو التوصيف أوموضع الاستعمال,وليست عصية على الفهم أو مجريات التفكير في السلوك البشري الذي لم تختلف محاسنه أو مساوئه إلا   باختلاف الوسيلة ودرجة الذكاء التي ايقظت مكنوناتها المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم ومعاهده.فالخير والشر ثنائية أقرتها الأديان وفسرت دوافعها وأسبابها العلوم النفسية والاجتماعية والأخلاقية التي أبدع العقل البشري في تناولها بالتفصيل بقدر وافر من الدقة والموضوعية.

 

واستعمال المال في الأغراض المختلفة التي يستخدم فيها لا يخرج عن قاعدة الصفتين العامتين وهما الصفات السلبية؛ والصفات الإيجابية,ولعله من أبرزالوسائل في في تمييزالاستخدامات السلبية منها والإيجابية بوضوح كامل. فالمال من أشد الوسائل أغراء للفرد وأسهلها إيقاعا لمن يحتاجه في المعصية وفي الخطيئة وفي الموبقات من التصرفات والأعمال.ولأن حاجة الفرد للمال حاجة معاشية يومية فقد تفنن مالكوه بتنويع استخدامه بأنشطة قانونية وفعاليات مشروعة في كثير من الأحيان تجلب المزيد من المال والمنفعة المادية, وفي الأنشطة غير القانونية والفعاليات غير المشروعة في أحيان اخرى,إذ   تتشكل عصابات النهب والسلب,والغش والخديعة والاحتيال وارتكاب جرائم السرقة والسطو المسلح والقتل والحرق والتهريب.. للحصول على المال مما يشكل خروجا سافراعلى القوانين والأعراف  والقيم الدينية والأخلاقية.

 

ولم يقتصر دور المال السياسي على شراء الذمم والضمائروالاستعانة بشهاد الزور والرداحين والمداحين, واسئجار المرتزقة وأصحاب الأهواء الإجرامية وخبرائها,بل صنع سياسيين من شخصيات هزيلة (دلوعة ومرهفة العيش),تهرب من المسؤولية وهي على قمتها وتتقول بعبارات التضخيم التي اعتاد الضعفاء على الصراخ بها تعويضأ عن ضعفهم  التكويني, ومكنهم من لعب أدوار سياسية في بلدانهم بدعم من المستأجرين والمستفيدين والانتهازيين وهم غير مؤهلين لها.فقادوا مجتمعاتهم إلى التعنصر والانقسام العرقي والديني والطائفي والثقافي.وقد فشلوا في التماهي مع علاقة الجاه بالمال. فالجاه تمثله شخصية لها ارتباط بمعترك الحياة وبمستوى التعلم ودرجة الذكاء والبنية الثقافية للشخصية المالكة للمال.فتلك شخصية وجيهة يساهم المال في جاهها ووجاهتها وتلعب دورا مشهودا في مجتمعها لأن المال صنع لها الفرصة,وتلك شخصية يصنع المال وجاهتها فتظل دون مستوى الفعل في ظل كل الفرص التي تتوفر لها. 

 

ألفت المجتمعات ما يعنيه المال السياسي في شراء الأصوات في الانتخابات لمختلف الأنشطة وتبوءالمراكزالقيادية االحكومية وفي منظمات المجتمع المدني بمختلف الأهداف والغايات.كما ألفت المجتمعات الإنسانية دورالمال في وضع صاحبه في مراكز اجتماعية وسياسية أو شبه سياسية,وهذا حال متماه مع تأثير المال ودوره في الحياة الاستثمارية والاجتماعية والسياسية في معظم إن لم يكن في كل دول العالم. أما أن يصنع المال ثورة فتلك تجربة جديدة في دورالمال,لأن الذي ألفناه أن يقدم المتعاطفون مع الثورة وأهدافها الوطنية الخالصة دعما جزئيا ماليا ومعنويا,ولإن الثورة حراك مفعم بالمبادئ والقيم الأساسية في منظومة التفاعل مع قضايا تنمية الوطن واستقلال قراره السياسي والاقتصادي لضمان الحق السيادي لكل مواطن فيه.وهذه المضامين الثورية لا يمكن شراؤها بمال ولا بيعها لدجال,وهي عصية على المقايضة والمتاجرة.

 

المال السياسي أداة الطغاة والحاقدين يخدعون به أنفسهم بالوهم,ووسيلة الضعفاء الباحثين عن الأمن والأمان لذواتهم ولثرواتهم التي تراكمت بالنهب والغش والفساد التجاري والسياسي, وهو الوسيلة الوحيدة لمن هم في خواء فكري,وتصحر ثقافي,وفقرعلمي وتخبط منهجي.وإن السخاء في بذله وبعثرته على الطامعين لا يجلب لأصحابه سوى مزيد من الخنوع والاستغلال والابتزاز. 

 

المال السياسي لا يصنع ثورة وإن مولها بشروطه ودعمها بجهوده,لأن مراكمة المال خلاصة مصلحة ذاتية تعجزعن الخروج من قيد الأنانية ,وهو هكذا من وسائل إعاقة مسار الثورة في تحقيق أهدافها ويطفئ بريق شعلتها,لأن الثائرمن أجل القيم هو أول الرافضين تلقائيا لمغرياته لقناعته أن الذي يبيع  نفسه لا يقوى بعدها على شراء حريته أو استعادة كرامته بأي ثمن وبأي وسيلة.

 

والكرامة الإنسانية مثلها كمثل التفاحة النضرة إذا قضم أحد منها قطعة تحولت بقيتها إلى اللون البني    الكالح لانكشافها للهواء فلا تعود شهية الطعم ويأكل الفساد بقاياها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد