التغيير ليس قِصرا على الثورة السياسية

mainThumb

02-03-2013 02:59 PM

 المدركات الحسية التي أثمرت في التعجيل بتقدم الأمم وتطورها بمستويات مختلفة,وبمنجزات تعدت  في بعضها توقعات أكثر العلماء فطنة ويقظة هي المدركات التي تميزت بالبساطة وجلاء المعنى في الذهنية المتفتحة التي اتسمت بها عقول تمتعت رؤوس أصحابها ونفوسهم بالحرية في أوسع مجالاتها وفي أبعد مدياتها.الحرية لم تعد,وهي لم تكن أصلا, شعارا سياسيا يرفعه عبيد أو مظلومون ضد   طغمة حاكمة اقتنصت السلطة وتسعى بكل جهد للحفاظ عليها,وهي ليست مطلبا نضاليا تحشد فيه   قوى المناضلين قواها لتحريرأرض من محتل أو مغتصب لها أو لأجزاء منها.وهي أي الحرية ليست مطلبا ثقافيا شعبيا يحث على ترك المجال لانطلاق الرأي المعبرعن موقف من قضية مجتمع أو  جماعة أو مشكلة دون قيد أو مداهنة أو مراوغة,وهي بالتأكيد ليست من قضايا الفكراالمتعثرة في  تغطية أفقها وفي استكمال موضوعاتها نتيجة خوف أو وجل من أي طرف آخربغض النظر عن حجمه أو موقعه أو سلطته في المجتمع.كانت الحرية على ما هي عليه اليوم وغذا حقا أساسيا وطبيعيا   وقانونيا من حقوق الإنسان.

 
ومن المدركات الحسية الواقعة حكما بمرورالزمن,تقع مفردتا التغير والتغيير في مقدمة هذه المدركات والإحساس العملي بها رؤية وممارسة ومواكبة.والتغيرأو التغييرالذي نشهده كأحياء عقلاء نتحسس ما حولنا ونتوقع ما عليه غدنا لا يحتاج إلى أي قدر من الذكاء كي نميز سرعة حدوثه ووقوعه,ومن الغباء أن لا ندرك ما ينتج عنه من تأثيرمباشر بائن في تأثيره ونتائج وجوده الحقيقي  على مجريات الأحداث في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي نعايشه أينما كنا,وفي أي ظلال حضاري سكنا وأقمنا.
 
ولا يستعصي على أي منهج مدرسي كان أو جامعي أو فكري أوفلسفي تمييز الفرق بين المعنى المهني لمفردة التغير(أي ضرورة أنْ نتغير) وبين مفردة التغيير(أي أهمية أنْ نُغير,ونقوم بعملية التغيير طوعا واستجابة تلقائية).
 
التغييرتستدعيه نزعة طبيعية في الإنسان الذي وجد نفسه أمام تحدي العقل ونوازع الابداع والنظرة الثاقبة للتطورالذي ورث منجزات حضاراته التي جعلت من العلم وسيلة لا تنقص من مصادره كثرة تداوله,ولا تقف البحوث والدراسات عند نهاية حدود للعلم والمعرفة,ولا تنهي منهلا من مناهله أو تجفف نبعا من ينابيعه,بل العكس هو الصواب كل الصواب الذي لم تعد من فرص للتشكك أو    التشكيك فيه. واستوعب العقل المنفتح ليس فقط أهمية العلم وحق التعلم وحرية تناول موضوعاته   وإنما أعطى للعلم دوره الريادي في تأمين ضرورات الحياة العامة بسخاء وملاءمة وكفاءة.ولم تقف مطالبة الإنسان العاقل عند حدود المأكل والمسكن والملبس فتلك مطالب أساسية وفرتها الحيوانات لنفسها وللقطيع الذي تنتمي إليه!فقد أيقن الفرد إضافة إلى تلك الحقوق أن له حاجات سيادية على الصعيد الفردي تصون له حرياته وتحفظ كرامته من أن تمس بها أي قوى من أي مصدر أتت.    وأدرك العقل المنفتح على الفكرمن مصادره المتنوعة, وعلى العلم ومخرجاته وقواعده أن إنتاج المعرفة يولد الحاجة إلى معرفة,فكلما توصل العلم إلى معرفة رافقتها تساؤلات أخرى يقضي تتبعها الحصول على معارف جديدة, أي إن المعرفة لا حدود لها في أي مجال من مجالاتها, وإن الحدود  على المعرفة هي حدود مصطنعة اصطنعتها خبائث فكرية,وعقول تجمدت حيويتها عند مصالح   تجارة الفكروانتهازية معرفية, لم تدرك تجاوز الزمن لها ولفكرها ولسلطان زائف تمارسه على الأمية  الفكرية والتخلف الثقافي.
 
التغيير حدث متواصل لم يستثن فكرا أو علما أو منهجا أو مبدأ أو عادة اجتماعية,أو ممارسة عملية وتراث اجتماعي, ولم يستعص أثره على أداة أو وسيلة انتاجية أو شكل مادة أو تصميم إنشائي أو هندسي,وتتسع صفحات وصف التغيير لا لنتسلى بقراءتها وإنما لنتعظ بحكمتها ولنعد من أنفسنا أناسا تدرك دورها المبادرة بصنع التغييرحتى لا نظل في قائمة مجتمعات يسبقها التغيير بوسائله ومناهجه فتتغيرمستجيبة استجابة جبرية متأخرة في زمنها وفي الفائدة منها حيث يطرأ التغييرعليها   بين لحظة وأخرى,وقد حصن العلم وتراكُم المعارف والمعلومات التغييروحسن أداءه وعظم منافعه وفوائده  وجدواه وأدى بالمقابل إلى تحجيم أضراره ومساوئه.والتغيرلم يعد تغيرا برغبة فهو من الحتميات المرئية والملموسة والمدركة والمحسوسة.
 
رامت الثورات التي أخذت مجريات أحداثها تتبلورحول طروحات أيدولوجية تتبنى تغييرمناهج الاقتصاد وأنماط العلاقات الاجتماعية منذ حوالي قرن من الزمن,فحدث الصدام الدامي بين مناهج الاشتراكية الساعية إلى توزيع أكثرعدلا للثروة,وتخفف من وطأة الفقر ومن تمادي تجميع الثروة  بأيدي حفنة من الأغنياء,وبين مناهج الرأسمالية المنادية بالحرية الفردية في كل مجال بما فيه مجال تحقيق الثروة وحرية العمل والاستثمار في المشاريع المختلفة دون قيود أو تحديد أو تدخل مباشر من الدولة.فوجد كل من هذين التيارين أن التغييرهو المسار الذي تتجلى فيه نتائج النظريات وتتقاطع فيه المصالح ,وهو الكفيل بتحقيق التقدم والتطور,وهذا مرتبط في أحد شروطه بتوثيق الرباط بين عنصري ثنائية التغيير – العلم وسلوك طريق البحث العلمي وتوفير المعلومات ونتائج الدراسات والبحوث التي  تأخذ طريقها  دون تعقيدات أو الاصطدام بالمحرمات وأن تفكر بكامل الحرية التي  تتيح للإبداع أن يرسم معالم مفاهيم جديدة في الفكر وفي القيم وفي التراث و موضوعات متنوعة في الرأي وفي الثقافة ومبتكرات مطورة في سائل العمل والإنتاج الحديثة.فأيقن المتحضرون من البشر,والمتنورون من المنظرين,والواعون من السياسيين,وأصحاب الضمائر الحية من العقائديين   بأن الثورة المأمولة للشعوب والأمم التي لم تحقق من منجزات الحضارة المعاصرة ما تعبرعنه بجهودها الابتكارية وخبرتها المجربة ليست هي الثورة السياسية,وليست هي ثورة ضد نظام حكم طاغ لعزله هي الثورة المستندة على مبدأ التغييرالشامل في قواعد العمل السياسي وفي مفاهيم العمل الحزبي وفي منطلقات الشعارات العقائدية.
 
الثورة في الفهم المعاصرليست عملية نهوض شعبية لاستبدال مستبد بطاغية,ونظام جامد بنظام تجميد,ولا تقع في مصيدة تجريب المجرب بقوى شمولية مختلفة عن سابقتها أو تغيير في سياسة اقتصادية ببديل سياسة مباركة من السماء.الثورة المعاصرة تنطلق من قاعدة الانتقال بالمجتمع من مجتمع مقيد بالتغير,وهذه هي المطابقة الحية بين التبعية والتقليد والانصياع إلى منجزات لا دور للمجتمع فيها,إلى مجتمع يبدأ تجميع قواه للبدء بعملية التغيير, ليكون مجتمعا مشاركا بكل قواه وتنوع  مكوناته في صنع الحداثة بروح عصرية,وفي توثيق القواعد الأساسية لبنية المجتمع المتحضرالتي لم تجد لها بدائل,وإنما تشهد التغيير في وسائلها وفي أنماطها بما يتلاءم ومسار التقدم وهذه : الحرية ,التعددية ,الديمقراطية.وبذلك تقوم البنية المتينة لمجتمع التغيير بديلا عن مجتمع التبعية بالتغيرالذي تقيد الأيدولوجيا حرياته وتحد من طموحاته,وتهدر قيمة الإبداع ,يصبح معيار الإخلاص للوطن مكبلا بتأييد الحاكم مهما بلغت به الاستهانة بحيوات الناس وحقوقهم وأمنهم.
 
المدركات الحسية المقترنة بالوعي وبالضميرالحي تؤكد بما لا يقبل الجدل التشكيكي,والخطاب الخالي من مضمون يمكن استيعابه,والوعود الغيبية.إننا,نحن بني البشرنعيش في عصر ثورة المعلومات وثورة التقنيات وثورة المعرفة!!,تصنعها بصيغها التكاملية قوى عمدها الفقري الأجيال الشابة بما تملكه من بصيرة مختمرة فيها رؤى مستقبلية ومن ميزات رؤاها المستقبلية إنها سبقت   سرعة قديمها في الجري  وراء المستقبل الذي يشكل حاضرها!.
 
ما يعانيه تغير النظم السياسية في بلدان عربية شملت تونس ومصر وليبيا من حالة ارتباك سياسي وفقدان مقومات فهمقضايا المجتمع المعاصرة وضياع الأمن والاستقرارإنها,أي القوى التي تقود السلطة, لم تقم بالثورة لا هي ولا مناصريها من جماعات وتيارات ,ولم تُعد لها ولم تهيئ قواها استعدادا وتنفيذا, ولكنها استطاعت أن تقتنص فرصة السيطرة عليها,لتعيد شكل النظام السابق وترتكب أعمال بطش وتنكيل فاقت سوابق النظام المزال, وأن تجعل من صندوق الانتخابات صندوقاأسوداحتوى سجله  على المعلومات والموثقات التي تحتاجها قوى التغييرالحقيقي ديمقراطيا لتؤكد على ضرورة الاستمرار بالثورة كي تعيد تصحيح المساربمنطلقات عصرية تحديدثية متحضرة, وقد أيقنت أن ربط مراحل التغييربعقلية ترجيعية التوثيق,ضبابية الفكر والأطروحات لم تعد صالحة لفهم مبادئ التغير البليد, فكيف بها أمام تحديات التغيير؟؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد