هناك مجموعة من التحولات و التغيرات التي طرأت في مجال الحياة الاجتماعية العربية و التي أحدثت تغيراً و تبدلاً في بعض القيم الاجتماعية التقليدية التي كانت تسود المجتمع العربي وتحكم سلوكيات و اتجاهات أفراده ، وتطور النظر لأسباب وحجم تلك الظاهرة والنتائج التي تمخضت عنها ، و يرى علماء الاجتماع و التربية أن التغيرهو ظاهرة عامة ودائبة ودائمة ومتنوعة ولا لزوم لربطها بصفة معينة أو بمبررات محددة ، و يقولوا إن التغير الاجتماعي في البلدان العربية هو التبدل والتحول الذي يصيب البناء الاجتماعي العربي فيؤثر فيه تأثير جزئياً او كلياً خلال فترة من الزمن فيحدث تغيرات في الوظائف والادوار والقيم والأعراف و التقاليد السائدة.
يمكن ان اقول ان التغير الاجتماعي بمعناه العام يشمل التغيرات البنائية , اي التغيرات في جميع انواع العلاقات الاجتماعية و اطرافها , و بذلك يمكن القول ان التغيرالاجتماعي يمكن أن يصيب الفكر من حيث صياغته وتكوينه ، كما يمكن أن يؤدي إلى ظهور الافكار الجديدة أو اعادة تشكيلها , كما يمكن أن يصيب التغير الاجتماعي السلوكيات و ما ينتج عن هذا من عمليات تفاعل و علاقات و وحدات اجتماعية و تنظيمية من حيث ظهورها و استمرارها.
تظهر انماط التغير الاجتماعي في جميع اوجه الحياة في المجتمع , حيث يمكن ان يلاحظ الانسان تغيرات في العلاقات الاجتماعية و في الادوار التي يلعبها الأفراد , و تغيرات في المعايير و القيم ,و في الوقت نفسه يمكن ان يلاحظ ان هناك جوانب تتغير بسرعة متناهية بينما هناك جوانب تسير بخطى متثاقلة و تتغير ببطئ غير ملحوظ , حيث ان المعاني و القيم تكاد تكون ثابتة , مما يؤدي إلى ظهور ما يسمى با لهوة الثقافية بين أبناء المجتمع العربي على الرغم من وحدة التاريخ و المسير و الأمال و الطموحات و على الرغم من التناظر الثقافي و الحضاري .
نلاحظ ان التغير في القيم و التقاليد الناجم عن التغيرات الاجتماعية يحدث في مستويات مختلفة ، اولها المستوى الفردي و الشخصي , حيث يمكن أن نلاحظ إن القيم الفردية و الشخصية تتأثر و تمر بمراحل مخاض عسير ، و ثانيا ً هناك مستوى الوحدات الاجتماعية و التنظيمات و النظم مثل التغير في القيم و العادات و التقاليد العائلية و البناء الاسري القيمي وتأثر الأعراف الأسرية نتيجة لذلك ،و ثالثاً هناك مستوى الجماعات المحلية من تغير القيم على مستوى العشيرة أو الحي أو القرية أو المدينة أو الاقليم ، و يمكن ان يضاف الى هذه المستويات نتيجة لتشابك المجتمعات و الجماعات .. المستوى الوطني .
هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى حدوث مثل هذه التغيرات منها تطور الزمن الذي له قيمته في تحديد دينامية الجماعة والمجتمع ويجب ان ننظر الى الجماعة على انها تنظيم متحرك متغير، أضف إلى ذلك ثورات الربيع العربي التي قامت بقصد إحداث تغيرات جزئية او شاملة في بناء المجتمع ونظامه، و من المعروف بأن الحروب و الثورات الشعبية تعد من العوامل المهمة في احداث التغيرات الاجتماعية أما بسبب ما يفرضه المنتصر حتى يدعم انتصاره ، وأما بسبب ما يفرضه على نفسه المهزوم حتى يزيل اثار الهزيمة ويحقق النصر.
من المسلم به بأن القيم الاجتماعية تحظى في أي مجتمع بإيمان أفراده بها وتعظيمها وانقيادهم لها، ولهذا يجب أن يأتي الحراك المجتمعي متسقاًَ مع القيم السائدة في المجتمع .أما في مجتمعنا فإن التغير الاجتماعي أصاب قيم المجتمع في مقتل ، كان الصدام و التناقض فيها حاداً عاصفاً مجللاً تبدَّل به المجتمع من صورة إلى أخرى وتغيرت معه معايير السلوك وقيم المجتمع. و صاحب ذلك بعض الصور السلبية منها انتشار العنف بشتى أنواعه و أشاكله وصوره ،و انتشار الجريمة واختلال بعض المعايير السلوكية المرغوبة ؛ و اغتيال الشخصية و انتشار الواسطة وتفشي المحسوبية والرشوة ، و الكذب المبطن و ازدواجية الشخصية و أحياناً انفصامها ، كما تم ربط العلاقات الإجتماعية بين الناس بالمصالح الشخصية ،وغياب الأمانة و شيوع النظرة الآحادية المادية للحياة و الجري وراء المنفعة المادية بكافة أشكاله ، و رافق ذلك تهميش قيم الصدق و الأمانة و الصداقة الحقة و النظرة الشمولية للحياة و الموضوعية.
لا أحبذ التمسك بكل ما هو قديم، ولا محاربة كل ما هو جديد ، و أنما لا بد من الجمع بين السكون و التغير،الإنفتاح والانغلاق ، التقليد والحداثة. آن الأوان لنعترف ، أن الحياة تتغير باتجاهات قد لا نرغبها دائماً، وعلينا أن نستثمر التغير الاجتماعي بإيجابية حيث إن الناس يميلون إلى التأثر السريع بما يحيط بهم من متغيرات محلية واقليمية و عالمية، و على النظام التربوي العربي بالاضطلاع بمسؤولياته في هذا المجال.