يمر الزمن برتابة ودورية سرمدية على العقول البشرية التي لم تر في ذاتها سوى توابع لنوابغ من القيادات البشرية التي تتسيد بقوة الشخصية,والعبقرية التنظيمية وصياغة الفكر بعقيدة أو بنظرية,ويستطيب التمسك بها والاستسلام لما جمعته من مزايا التأييد من الأتباع الذي يسلم الواحد منهم أمره إلى الطاعة لصاحب الأمرتعبيرا عن رمزية الولاء لشخص القائد وذاته.
الزمن يبدو رتيبا متكررالحدوث,ولكن ما تحمله دورات الزمن من معان أضفتها عليها الابتكارات العلمية,واسبغتها عليها المخترعات التقنية,وما حملته من تجدد في الفكر,وفي الوسيلة,وفي الغاية التي طالما بحث العقل البشري المتنورعن صياغة تستوضح في ثناياها معنى الحياة وتحاول جاهدة على رسم الملامح الرئيسة لدورالأحياء في صنع عالمهم بما توصلت إليه معارفهم ,وما تمكنت منه عقولهم من الفكر المتجدد والمنسجم مع كل ابتكاريبدد فكرة سابقة ويحيي فكرة جديدة تفتح آفاقا واسعة. التغيرالذي يشهده العقل المتفتح على قدرته على تمييز حاضره يفوق إلى حد بعيد قدرته على استيعاب,ليس مسببات التغير,لأن التغير بحد ذاته حتمية من الحتميات التي لا يمكن أن يترجمها إلى معانيها إلا عقل متفتح, وذهنية متنورة وإنما قدرته على إدراك العوامل التي تجعل من وتائرالتغير وأدواته ووسائله مترافقة مع تغير نمط تفكيره ومع استجابة الفكر السائد والثقافة المتشكلة بالتأثر بمجريات ذلك التغير,وهو ما يشكل أهم أسباب الإختلاف بين مجتمع وآخر.وبهذه الدرجة وتلك من التنوروسعة الأفق وتحررالإرادة الذاتية تتسع الهوة بين مجتمع وآخر في موازين قياس ما يتحقق من مستويات الترقي الفكري والمعنوي والمادي والثقافي فيها.هذا ولعل ما يحدثه التغير من صدمات متلاحقة في المجتمعات الخاملة والمتكئة على ذكريات ماض حضاري,بعقلية ماضوية,أحادية الثقافة وموحدة لمصادر المعرفة, ترى في تغير العالم من حولها بالعلم والتقنية تحول إلى ظلام الدنيا وخسارة الآخرة.
حولت الحرية المجتمعات الإنسانية من مجتمعات فقدت إحساسها بالزمن إلى مجتمعات حسمت علاقتها بالزمن,بأن أدركت دورالزمن في تأثيره على نوعية الحياة ومستوى المعيشة ونوعية كمل منهن,بحيث أصبحت كل دورة زمنية وإن قيست بالثانية أو بجزء منها,تمثل مرحلة انتقال من وضع إلى وضع أفضل منه تحضرا وتجاسرا على الاستمرار في خوض السباق مع الزمن وكسب موقع جديدمن مواقع التقدم والتطور التي ينتقل الزمن بالعلم بها ومعها.
التجربة الإنسانية غنية بتنوعها,ومتسعة بتعددها ولم يكن باستطاعةأحدأن يتنكرلدروس التجربةالإنسانية سوى :-
*- واحد وضع نفسه تحت تصرف من يرعاه ويوجهه ويحقق له مصالح مشتركة,فأطاع سيده,وترك له المجال كي يقررله ماعليه أن يعمله,وركّب له الجُمل التي عليه أن يحفظها,ووضع له الشعارات التي عليه أن يرفعها,وحدد له مساره الثقافي,وطبيعة أهدافه وعناوينها,فالتزم بها وصار أداة طيعة لآمر قبل منه إمرته ورضي بطاعته له.
*- وواحد تمرس بالتعلم من التجربة وتيقن من فصاحة لغة المقارنة والقياس في اختيارالمسارالذي يمارس خلاله حريته الفكرية,وتحرير إراداته الذاتية من سيطرة فكرية أو التزام مبادئي لا تتناغم أهدافه مع متغيرات تنتج عن مرور الزمن .فلم يعد الزمن بعد كل ما توصل إليع العقل البشري اليقيني من ابداعات وابتكارات واكتشافات في مختلف المجالات,لم يعد الزمن بعد كل هذا قادرا على أن يحول الحنين إلى الماضي إلى معتقد بتكراره في الحاضر.فكما سبق وأسلفنا فقد أيقظت حتمية التطور والتقدم,أن العودة بالتاريخ حمْل ثقيل,وعبء على الفكر ومعيق للتغيير,وإن العودة إلى التاريخ سهلة المنال, عظيمة الفائدة فيما تمثله من دروس لنتعلم منها ونستمد منها عظات تجنبنا عثرات وصعوبات,فنحقق ذاتنا المعاصرة بروح العصر وأدواته.
لم يبق التطور فكرة إلا وأظهر لها محاسنها,وأشهر ما عليها من مآخذ وعيوب.وفكرة الأمس ليست وليدة الغد,لأن الغد يحمل معه فكره بتسارع مثّل تحديا لقدرة العقل البشري على ملاحقته ومتابعته في عصر المعلومات,وزمن المعرفة المتلازمة في مضامينها مع إحكام العلاقة بين الزمن وبين الدورالمناط بالفرد في تقريرأسلوب حياته في مجتمعه بعد أن أصبحت الحرية قرارا فرديا وليست منحة حاكم أوزعيم حزب أو قائد جماعة أو ممثل تيارسياسي أو مدني.
امّحى العهد الذي تميزت فيه النخب بثقافتها وعلمها حيث كان الوصول إلى مصادرتعلمه معقدا وغير متاح إلا للمقتدرين عليه مالا أو جاها أو واسطة.وذهبت تلك الهيبة للحزبي الذي تسيره إرادة قيادته ورؤيتها,فترك له خيارأن يطيع وينفذ دون أن يناقش,ويهتف بشعارات صيغت له,ويتظاهر بإشارة من مسؤول حزبي,حتى بلغ الأمر اعتبار محاصرة دار قضاء عملا شعبيا مشروعا ,ومحاصرة دور إعلام والاعتداء اللفظي والمادي عليها ممارسة ديمقراطية,ومقارنة ذلك بالحق في الاعتصام أمام قصر رئاسي لحاكم استخف برأي شعبي,ولم يصدق بوعود,ويدعي الديمقراطية!! والحياة السياسية المدنية!!.لم تعد الحزبية كما كانت عليه قبل زمن ليس ببعيد تنظيما طيعا مطوعا ومطيعا,ولم تعد صياغة علاقة الحزبيين بمبادئ الحزب وأهدافه قوالب صممتها فئة منه وتصدرت زعامته أو ورثتها.فقد تطورت صيغة الأنا الجمعية إلى الأنا الفردية المتجاوبة مع أهدافها,والمتفهمة لطبيعة حركة التيارات الاجتماعية التي لم تعد متلقية للمعرفة من نافذة حزبية,................
دور المثقف ودورغير المثقف هو السؤال الملح,وليس فقط دور المثقف,,فالتصنيف هذا لم يدرك بعد دورالمعلومة التي أصبحت في متناول الجميع بعد أن انتشر العلم وأتقن الطلبة القراءة كما غيرهم,وظل الفهم لمن يقرأ قضية شخصية لم تعد بحاجة لمن يترجمها لصالحه,أو يعالج بها عناد الجهل والاستعلاء التي نشهدها في مجتمعاتنا العربية, حيث تعاني بعض الحراكات من انتكاسة في الضمير الوطني بحيث اسمترأت بعض قواها الاستعانة بألد أعدائها وأكثرهم حقدا عليها كي تصل إلى كرسي الحكم ,تنسق مع أعدائها التاريخيين في تحديد ملامح حكمهم الملتزم بسلام المحتلين لفلسطين, ووأد القيم الديمقراطية والطعن في مؤسساتها الأولية والأساسية وهي القضاء والإعلام.ما يحدث في سوريا من تآمر بعضه عربي وكل الغرب فيه بهدف تدميره باسم (الثورة) وما حدث في ليبيا من تعاون (ثوري) قطري غربي( للتحرير),والدور الذي تلعبه الجامعة العربية التي وقعت بكل سهولة في قبضة المال السياسي,لا يحرضنا على السؤال عن دور المثقف العربي ,أودورالحزبي والمتحزبين العرب,لأن الدور اليوم يجب أن يكون لوعي المواطن العربي,لضميرالفرد العربي المستقل ,وهذا ما تؤكده حركة التصدي لأنظمة (الربيع العربي) في مصر وتونس ضد نظم لم تتعظ قياداتها بعد بحركة التطور وحتمبة التغيير,وتعملان بكل السبل التي لا تتماهى مع السبل النظيفة المتبجحة بالديمقراطية للعودة بالتاريخ وفرضه على الزمن الحاضر.
الزمن اقترن بالحرية منذ ولادة الإنسان,وليس الفردالحر من يرهن أرادته لغيره,وليس الحرمن لم يكن قراره من صنعه هو ,ومن لا يطيق أن يظل مطية لرغبات قيادات حزبية لن تدع له مجالا كي يطاولها في أطماعها السياسية.والطريق إلى الجنة طريق أفراد وليست طريق جماعات,وليست طريق جماعية.
لم تعد الحزبية ملزمة بتبني فكرما وإنما من المفترض إن الحزب في هذا العصر المعرفي المباشر هو ملتقى فكري تتحاور فيه كل الآراء وتناقش كل المواقف,وتلك حرية الرأي لعضو دون أن يكون في ذلك مبرر لفصله أو خروجه على ميادئ الحزب .فكي تتحقق الأهداف لا بد من تنوع الوسائل وتلاقيها في محطات تلتقي معها الجهود الدافعة لاستمرارالعلاقة بين التنظيم وبين الآراء التي يطرحها كل عضو من أعضائه تلعب الثقافة دورا مباشرا في توجهات الحزب السياسية والاقتصادية والاجتماعية,ولم تعدالحزبية قوالب تصيغ مبادئ صارمة على العدو أن لا يحيد عن أي من ممعانيها أو مراميها.
التغير المتلاحق في حضارة الإنسان المعاصرسريع ويغطي الفكر والرأي والمبدأ والغاية والوسيلة والتنظيم والمنظمة.... ومن هذا كله يتشكل الوعي الحديث لصيغ تنظيمية ديمقراطية في الوسائل وفي القيم,وأي تفاوت بين وسائل الديمقراطية وبين قيمها,يحدث خلل في التنظيم وفي قدرته على خدمة أهداف الوطن وتبني قضايا المواطنين,وقد يلحق الضرر بهذه الأهداف,قصد ذلك أم لم يقصده .