غزارة في الشعارات وسوء في التطبيق؛ حتى باتت الشعارات على كثرتها وبعدها عن الواقع المعاش مثار سخرية المواطن واشمئزازه. بعض المرشحين ممن خبرناهم في مجالس نيابية سابقة يسوقون علينا الهبل والاستهبال؛ فهذا يدعي الجرأة في قول الحق تحت القبة في حين لم نسمع له من قبل نحنحة ولا عطاسا على الرغم ما مرّ به البلد من محن وإحن وبغضاء وفتن، وذاك سيحمل همنا وألمنا إلى العبدلي ونحن على يقين أنه بضعفه لا يقوى على حمل رضيع في حضنه. فهمومنا استثنائية بحاجة إلى نواب استثنائيين غير تقليديين بطرحهم وفكرهم.
المواطن الأردني لا تغريه الشعارات بقدر ما يغريه إخلاص المرشح ونظافة يديه وسيرته الذاتية؛ فكثير من المرشحين لا نرى سحنة وجوههم إلا في الانتخابات النيابية، أهذا الدّعيّ هل يعرف ما يعانيه مزارعو الأغوار في لقمة عيشهم وهو مقيم في العاصمة؟ هل لديه معلومة واحدة عما يواجهه الخريجون والشباب في الجنوب والبادية؟ هل عايش عمالة الأطفال في المخيمات وقاع المدن وأطرافها؟ هل توصلّ إلى أسباب الاحتقان والإحباط في الشارع الأردني؟ وغير هذا وذاك الكثير مما لا يعايشه؛ فكيف به إذن سيسدّ الخلل وهو لا يعرف مكانه!
الكل يتكلم عن الفساد، والكل يعرف أن الفساد في الأردن كالطاقة في الفيزياء؛ لا تفنى ولا تستحدث بل تنتقل من شكل إلى آخر. وهذا هو حال الفساد في الأردن؛ فهو ينتقل من الجدّ إلى الابن ومن ثم إلى الحفيد، إنه ينتقل من شكل دولة إلى معالي ومن ثم إلى سعادة، إنه ينتقل من الشيخ إلى الباشا ومن ثم إلى المختار؛ إنه ينتقل من حوت إلى محتكر تاجر ومن ثم إلى عاهر.
كنا نتمنى سماع أحدهم يعدنا بدراسة القوانين التي تسرب منها الفساد، القوانين التي تحمي الفاسدين من أن تطالهم يد العدالة، القوانين ومنافذها ودهاليزها التي سلكها هؤلاء في سرقة ثروات الوطن..... بالقانون. وبما أن المحاكم تتعامل بالقانون والمواد فسيخرج هؤلاء وصكوك البراءة في يديهم يصفعوننا بها صباح مساء؛ استندوا في اختلاساتهم على قانون فلن يطالهم القانون إذن.
الهيئات المستقلة التي استنزفت الملايين من خزينة الدولة ألم تكن فسادا؟ لم لا يُحقق فيها: من أنشأها؟ من استفاد منها؟ لمن أنشئت؟ ما مقدار ما استنزفته... وما إلى ذلك من أسئلة تتردد على لسان كل مواطن أردني. هناك وزارات بمسميات مختلفة ومع ذلك ترى أن مهام بعض الهيئات المستقلة من صميم عمل هذه الوزارة أو تلك. ومع ذلك استحدثت هذه الهيئات لعيون القريب والنسيب والحبيب على حساب قوت الحراثين ومن والاهم من معوزين ومحتاجين.
كيف للمواطن أن يقنع بكفاءة مثل هؤلاء النواب وهم عجزوا عن حلّ هيئة واحدة من هذه الهيئات التي قويت بضعفهم، واستطالت بقصرهم، واستفحلت بتقهقهرهم وتراجعهم إلى الصفوف الخلفية في مواجهتها، وتناسلت بعقمهم. الهيئات المستقة مثال ليس إلّا، فما بالك بالملفات الأخرى؟
شعارات على (قفا من يشيل) كغثاء السيل، سقطت في أكثر من مجلس نيابي؛ غزيرة نعم ولكن تصاب بالكساح والتعثّر في العبدلي.