منشأ العادات والتقاليد له أسس تراثية وثقافية ويرتكز على بنى متداولة من الممارسات السائدة في مجتمع إنساني بغض النظرعن تصنيفه,قبليا كان أم عشائريا,مجتمعا بدويا أو حضريا,مجتمع قرية أو بلدة أو مدينة,وحتى في بين أعضاء منظمات المجتمع المدني السياسية منها والخيرية والتنموية والنقابية وغيرها ..... وفي ظني إن التفريق بين العادات والتقاليد في أحد أوجهه, يعني أن العادات لاتتقيد بمرجعية مفاهيمية محددة,وليست متماهية بالضرورة مع التقاليد,وأما التقاليد فلها مرجعية مفاهيمية مرتبطة بقاعدة قواعد لفكرة اجتماعية أو اقتصادية أوسياسية أو هذه الفكَر كلها,والتقاليد بهذا الفهم لا يجوزأن تخرج ممارساتها على قواعدهاالتي نشأت منها ولا تتعارض مع الفكرة النابعة التقاليد عنها.وهذا ما يميز في ظني التقاليد عن العادات.ولكن مما شك فيه أن كلا من العادات والتقاليد تُعد من الصفات التي تتميز بها ممارسات المجتمع السائدة بين مكوناته عن غيره من المجتمعات بحكم التأثيرات البيئية الجغرافية منها بشكل مباشركما في الوطن الواحد,والمدينة الواحدة ....ويراعي الآخرون من الوافدين أوالزوار في سلوكهم للعادات وللتقاليد المرعية حيثما حلوا.
التقاليد التي تنشأ عن ممارسات منظومات دينامية عامة عموما بصيغة دولية وليس فقط محلية (منها منظومة الحرية ,ومنظومة التعددية ,ومنظومة الديمقراطية) متفق عليها ومقرة من مكونات المجتمعات البشرية وتشكل عنصرا من عناصرثقافة كل منها السياسية والقيمية, وهي تستوجب المراعاة الحريصة على عدم الخروج عنها,أو التغاضي عن التقيد بها لأنها تعتبرتقاليد مرتبطة بمبادئ أفرزت منهجية تعامل منسجمة في سلوكها وفي مواقفها وفي قراراتها وفي دعاواها مع المبدأ الذي انبثقت عنه ويشكل ارتباطها بها مفصلا من مفاصل التعبير الصريح والواضح عن تلك المبادئ وما تحمله من قيم متماهية مع القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع ذاته.
ومن صفات التقاليد التي تتزين المنظومات الدينامية بها,إنها عالمية السمات بقدرما هي محلية .فعلى سبيل المثال,في التقاليد الديمقراطية, تشكل الانتخابات الحرة النزيهة,أو عمليات الاقتراع السري أو عمليات انتداب ممثلين عن حزب أو جماعة أو جهة لها علاقة بالقضية مدار البحث ممارسة لا بد منها. ومن أميز التقاليد الديمقراطية التي تصل إلى مستوى القانون الصارم,عدم التعرض لاستقلال أي من السلطات المتعارف عليها في كل النظم السياسية في كل المجتمعات,بغض النظر عن مستوى الترقي الحضاري والتحديثي الذي وصله المجتمع.
*- فليس من التقاليد الديمقراطية في شيئ : التعرض لاستقلال القضاء,قولا أو تشريعا أو رأيا أو سلوكا؛ فكيف بجماعات تدعي الديمقراطية فتحاصر محاكمها لتمنعها من إصدار الأحكام التي يستقر ضميرالمحكمة إليها ويشككون بنزاهة قضاتها الذين تباهت بعدالة أحكامهم ردحا طويلا من الزمن.؟!
*- وليس من التقاليد الديمقراطية في شيئ : التعرض للحريات الفردية في التعبيرعن مواقفها بالطريقة التي تراها متجاوبة مع حقها ضمن القوانين المرعية ؛ فكيف بجماعات تظن نفسها ديمقراطية تتعرض لمن يعبر عن رأي أو موقف بالضرب والاعتداء على شخصه وعلى ممتلكاته,والتهديد والوعيد, والتحقير والتكفير,والسب والشتم؟!.
*- وليس من التقاليد الديمقراطية في شيئ : التعرض لحرية التعبيرعن الموقف السياسي من الحاكم وحزبه وحرية الرأي بكافة الوسائل الإعلامية وأدواتها؛فكيف بهراطقة الديمقراطية يحاصرون مدن إعلامية,ويتوعدون الإعلاميين,ويصيبونهم بالضرب والشتم والذم ؟!.
*- وليس من التقاليد الديمقراطية في شيئ : أن تقف السلطة مدعية الديمقراطية مكتوفة الأيدي في مواجهة عنف أنصارها وبلطجتهم واعتدائهم على مواطنين معتصمين بمطالب سياسية واجتماعية تكفلها لهم أبسط المبادئ السياسية بطابعها الإنساني,وأوليات التشريعات البدائية؟!.
*- وليس من التقاليد الديمقراطية في شيئ : الاحتكام إلى مبدأ الأغلبية – الأقلية الذي لفظته أدبيات الديمقراطية منذ زمن بعيد,واعتبرته مدارس العلوم السياسية بمختلف مشاربها أكبرعيوب الديمقراطية وأشدها عداء للقيم الديمقراطية,خاصة عندما يتعلق الأمر بوضع تشريعات لا تراعى فيها التوافقية الكلية بين كافة مكونات المجتمع وفئاته وجماعاته,فكيف بنظام برع في المراوغة بشعار الديمقراطية,يضع دستورا يشذ عن هذه القاعدة الذهبية في التقاليد الديمقراطية؟!.
*- وليس من التقاليد الديمقراطية في شيئ : افتضاح أمرالحاكم في ادعاء الديمقراطية,بما ارتكبه من فضيحة ديمقراطيةبتحصين قراراته السابقة واللاحقة (حماية لمؤسسات الدولة الديمقراطية!!),مما شكل مهزلة مأساوية في الممارسة الديمقراطية ستظل مدار تندر لردح طويل من زمن شهد براعة ثقافة حاكم الديمقراطية في مرحلة من مراحل الزمن العربي,وقد ظلمت هذه المرحلة تسميتها بـ (الربيع العربي) ظلما جائراومحزنا؟!.
*- وليس من التقاليد الديمقراطية في شيئ : رفض أي طرف مدع بالديمقراطية الحواربمقدمة يقولإلا إذاأي باشتراط تحقيق مطالبات تشكل في حد ذاتها مادة الحوارالأساسية,فلماذا الحوار إذن؟!.أما الأشد والأنكى على التقاليد الديمقراطية,فهي دعوة الأطراف المعارضة إلى حوارحول قرار تم اتخاذه من الحاكم عنوة ونكاية ووعد بعدم التراجع عنه,فحول ماذا يجري الحوار إذن؟!.
تراكمت التقاليد الديمقراطية,وترسخت من خلال التجربة الواسعة والعريضة للدولة المدنية,باحترامها الكامل والصارم لحرية كل مواطن أو مقيم بممارسة حقوقه الدينية غير منقوصة وإقامة معابده وطقوسه وسننه كما يراها دون تدخل من النظام أو فرض قيود ذرائعية ساذجة,وليس في التقاليد الديمقراطية ما يتماهى مع تجارب الدول الدينية ,أو ما يسمى دولة مدنية بمرجعية دينية.!!
وفي التقاليد الديمقراطية لا أحد مضطرا إلى ادعاء الديمقراطية ولا يقوم بالتقيد بتقاليدها الراسخة,لأن ذلك لن يخدع سوى مدعيه.فالديمقراطية ليست ميدان ادعاءات كاذبة لأنها أصبحت منذ زمن بعيد ذات تقاليد عملية واضحة ومتعارف عليها بطابعها العالمي الذي لا تخفيه ألاعيب ساحر,ولا براءة ساخر حتى.
وكان جيمس ميل يرى منذ القرن التاسع عشرإن:
على المرء أن يتمتع بحرية القيام بما يحلو له في شؤونه الخاصة,لكنه لا يتمتع بحرية القيام بما يحلو له عندما ينوب عن آخرين,وكأن شؤون الآخرين شؤونه الخاصة .