برلمان شعبي أردني خطوة رمزية لا تسهم في الإصلاح

mainThumb

03-01-2013 02:13 PM

 أما وقد اقترب موعد انتخابات مجلس النواب فقد مضى النظام السياسي الأردني قدما في تنفيذ ما عزم عليه من الوصول لمجلس نواب وفقا لقانون انتخابات أقل ما يقال فيه أنه لا يحظى بموافقة نسبة كبيرة من الأردنيين. قانون الانتخاب هذا تم إقراره من قبل مجلس نواب سابق مشكوك في شرعيته ناهيك عن تدخل النظام عبر أذرعه الرسمية وغير الرسمية في التأثير على أرادة النواب الذين أشار بعضهم الى أن ثلاثين نائبا من أصل سبعة وستون منهم قد صوتوا لصالح قانون الانتخاب الجدلي عكس إرادتهم وقناعتاهم بفعل تأثيرات خارجية.

 
النظام السياسي قرر المضي في هذه الانتخابات رغم كل النصائح التي قدمها مقربون وموالون له بعدم إجرائها ورغم الاحتجاجات والمقاطعة من قبل عدد كبير من القوى والكتل السياسية ضاربا بعرض الحائط وزن وأهمية قطاعات اجتماعية كبيرة وكتل سياسية مهمة مما يؤشر الى إصرار النظام على فعل ما يريد وبالشكل الذي يريد متحديا بذلك ضغوطا داخلية وخارجية لإحداث الإصلاح السياسي الحقيقي . إن ما تتداوله بعض وكالات الأنباء والصحف المحلية والأجنبية عن مؤشرات وأدلة على تدخل الأجهزة الأمنية في الانتخابات قبل إجرائها عبر استدعاء بعض الأفراد وتوجيههم للترشح وغير ذلك من الأساليب يضيف كثيرا لقناعات بعض الأردنيين بعدم صدقية ونظافة الانتخابات القادمة من التدخلات التي تريد التأثير على نتائجها وعلى طبيعة تشكيل المجلس القادم ليبقى بقبضة النظام يوجهه للتصويت بالطريقة التي يريد مما يجعل الإصلاح المزعوم إصلاحا ظاهرة شرعيا وباطنه عذاب وتزوير .
 
أمام مثل هذا التحدي للقوى الإصلاحية والتجاهل لمطالبها المشروعة فقد بدأت بعض أطراف الحراك في تداول فكرة إجراء انتخابات شعبية للخروج ببرلمان شعبي غير حكومي يعبر عن إرادة الناس وتطلعاتهم. والحقيقة أننا وفي الوقت الذي ندرك  حجم الإحباط والمرارة التي تشعر بها معظم أطراف وقوى الحراك جراء تعنت النظام والتفافة على الإصلاح ومطالب الإصلاحيين فإن فكرة البرلمانات الشعبية لم  ولن تنجح في تحقيق أي هدف سياسي إصلاحي ما عدا الضغط على النظام واستفزازه .فالخطوة رمزية من حيث الضغط النفسي والسياسي الذي يترتب على هذه الخطوة والذي من شأنه أن يحدث  استقطابات واختلالات في القواعد الشعبية التي طالما راهن النظام على ولائها  ودعمها التقليدي . أي برلمان شعبي سيضعف وحدة العشائر والقبائل ويقلل من الدعم التقليدي والشكلي الذي توفره للنظام وذلك من خلال توفير وعاء آخر أو مظلة للتمثيل  السياسي العشائري والقبلي والطائفي والعرقي  خصوصا وأننا نرى حراكات سياسية عديدة الآن تحت مسميات عشائرية وقبلية ومناطقية. البرلمان الشعبي سيحدث اختلالات في تماسك العشائر ووحدتها ومواقفها السياسية نحو القضايا السياسية المختلفة والتي يأتي في مقدمتها القضايا الإصلاحية وقضية الولاء المطلق للنظام السياسي ودعمه المفتوح دون  المساهمة في صياغة أهداف وبرامج هذا النظام. 
 
أما التأثير الرمزي الآخر لتشكيل برلمان شعبي أردني فهو الصورة والانطباع السياسي الذي تعطيه هذه الخطوة للعالم الخارجي حيث أنه من المتوقع لو أصبح هذا البرلمان واقعا أن يجسد حالة انقسام شعبي وسياسي داخل المجتمع الأردني مما سيؤثر في تقييم القوى او الدول الخارجية الحليفة وغير الحليفة لما يجرى على الساحة المحلية وبالتأكيد ستتأثر مواقفها السياسية المعلنة ودعمها للنظام السياسي  آخذين في الحسبان أن الدول تغير مواقفها حسب مصالحها ومصالح مواطنيها الاستراتيجية ولنا في  تغير مواقف الدول الغربية والشرقية من نظام حسني مبارك والقذافي وعلي عبدالله صالح وغيرهم !
 
أما من الناحية الجوهرية فإن اختيار برلمان شعبي موازي لمجلس النواب المقبل لا يسهم في تحقيق الإصلاح الذي يسعى الحراك الى تحقيقه لا بل يمكن لمثل هذه الخطوة أن يكون لها نتائج عكسية من حيث المخاطرة بالوحدة الوطنية وبث روح الانقسام والانشطار والتفتت وربما إقحام المجتمع وزجه في أتون صراعات جديده تبتعد كثيرا عن أهداف وقيم الإصلاح التي تنادي بها كافة الحراكات والكتل السياسية .المجتمع الأردني مثله مثل بقية المجتمعات النامية ما زالت بعض مكوناته هشة وضعيفة ويسهل جرها الى استقطابات وتجاذبات إقليمية أو طائفية أو قبلية أو عرقية يمكن أن تهدد سلام المجتمع وتفقده تماسكه حيث لن يعد الحديث عن الإصلاح مجديا في ظل مجتمع مفكك تسوده النزاعات الجانبية والعصبيات والإقليميات البغيضة كما أن استعادة الوحدة الوطنية بعد أوضاع الصراع والنزاع تصبح أكثر صعوبة وتحقيقا.
 
البرلمان الشعبي لا يناسب بلدنا ولا يسهم في تحقيق الإصلاح السياسي الذي ينشده الحراك والقوى الإصلاحية نفسها ويمكن أن يكون  هذا البرلمان المقترح ضارا بالوحدة الوطنية ويخلق للشعب الأردني مشاكل وتحديات جديدة ليس أقلها من الانقسام الشعبي وفقدان الوحدة الوطنية. 
 
البرلمانات الشعبية لم تؤدي أي دور إيجابي إلا في المجتمعات التي فقد النظام توازنه وتلاشت هيبة الدولة وانهار الأمن وزال الاستقرار مثل الصومال وبعض الدول الإفريقية التي ما زالت تناضل للخروج من أنظمة تقليدية بدائية للدولة وتكوين دول ذات مؤسسات عصرية حديثة مما استوجب تشكيل برلمانات شعبية تمهد للتوافق على مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية .
 
البرلمان الشعبي خطوة يمكن أن تعطي نتائج عكسية ولا تسهم جوهريا في جهود الإصلاح ولا تقدم للوطن  ولقضية الإصلاح السياسي الأردني الكثير ويمكن أن تخلق مشاكل  وانقسامات جديدة في الوحدة الوطنية تشغلنا وتستنزف طاقاتنا وجهودنا بغية استعادتها .البرلمان الشعبي لن يفعل كثير ولن يعطي نتائج إيجابية إلا إزعاج النظام والتسبب في ذعره وإضعافه وهذه النتائج كلها أصلا ليست من ضمن أهداف أي من الحراكات الإصلاحية الأردنية. ننصح الحراكيين بالعزوف عن أي خطوة تفضي الى قيام برلمان شعبي والاستمرار في الاحتجاج والتظاهر بأساليب سلمية حضارية تحافظ على استقرار البلاد وأمن العباد والمحافظة على إنجازات الأردن التي بناها الآباء والأجداد. 
 
نحن راهنا وما زلنا نراهن على صدق نوايا الحراك السياسي الأردني بكافة أطيافه وألوانه وقد أثبت هذا الحراك المبارك على مدار السنتين الماضيتين أنه حراك نظيف ونزيه وغير عنفي وهمه على الوطن.
 
 الحراك السياسي الأردني ليس بحاجة لبرلمان شعبي لتحقيق أهدافه وإنما بحاجة الى صبر وتأني  وسيؤتي هذا الصبر والإصرار والمثابرة بنتائج تخدم الوطن والشعب والنظام نفسه عبر قنوات وأساليب حضارية في أسلوبها أردنية في منشأها وتأصيلها .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد