قد يبدو من الغرابة بمكان أن يطرح مثل هذا السؤال الكبار و الصغار من يقتدي بمن ؟ من المسلم به عند عامة الناس بأن الكبار هم على مستوى من النضج الاجتماعي و العقلي ، و يتسمون بالخبرة الكافية و العميقة و التجربة الحياتية و الممارسة الفعلية التي يصح أن يحتذى بها، و ينظر إليهم على أنهم مصدر إلهام للصغار ، بينما ينظر إلى الصغار بأنه ليس لديهم الخبرة القوية ،و تنقصهم التجربة الحقيقية ، و تعوزهم المهارات اللازمة و الكفايات الضرورية التي تؤهلهم للتعامل مع المواقف الحياتية الطارئة و القدرة على حل المشكلات .
من البديهي بأنه في معظم الحالات و الأحيان يكتسب الصغار من الكبار صفاتهم و مزاياهم و خصائصهم المتمثلة في الغضب والعصبية والتوتر وغيرها من الاتجاهات و القيم غير المرغوب بها ، ومن الطبيعي ان تؤثر هذه الصفات و السمات على شخصية الصغير لينمو ويكبر على شاكلة الكبار, والأولى بنا نحن الكبار ان نأخذ عن الصغار الصفات الايجابية و السلوكيات الجميلة التي ولدوا بها ونشأوا عليها، وهي كثيرة و راقية .
من المعلوم بأن الصغار يتسموا بالقدرة العجيبة بسرعة تنفيذ قراراتهم ، فالتسويف ليس من عادات و خصال الصغار ، فلو أراد صغير القيام بشيء ما ، فإنه ينفذه على الفور ، ولو قيل له غدا فإن هذا يمثل بالنسبة له شيء ثقيلا لا يحتمل أو يطاق ، وهذا ما يفسر أحيانا الفرق بين الصغير ووالده ، فهو يريد الشيء على الفور ووالده يقول له تريث قليلاً يا فتى ، وهذا العادة تعلم الكبار ضرورة سرعة تنفيذ القرارت التي يتخذونها دون مماطلة أو تسويف كما يفعل كثير من المسؤولين في مختلف دوائرنا .
يتصف الصغار بسلامة الآفئدة ونقاء السريرة و الروح ، فقلما تجد صغيراً يحمل حقداً أو يضمر شراً لأحد ، وقلما يجد الحسد إلى قلوبهم النقية طريقاً وسبيلاً, بواطنهم كظواهرهم,متحابون متماسكون متعاطفون , بعكس الكبار الذين فسدت نواياهم و يظهر غدرهم في مواطن كثيرة ، في الحقيقة لقد استوطن الغل قلوبهم ، وسكن الحسد جوارحهم ، فكم من كبير اشتعل قلبه ناراً بمجرد أن رأى أخيه ناجحاً في حياته ، أو زميله قد نال ترقية وظيفية حتى لو كا يستحقها، أليس من الأجدى بنا نحن الكبار أن نتعلم من صغارنا مثل هذة السلوكيات الراقية الجميلة ؟
يعرف عن الصغار قدرتهم ومقدرتهم على دفن خلافاتهم و مشاجراتهم سريعاً شريطة عدم تدخل الكبار ، فقد يختلف الصغار فيما بينهم ، وقد يعلو صراخهم ، وترتفع أصواتهم، وقد يتشابكون بالأيدي ، و ربما يرمون بعضهم بعضاً بالحجارة ، وقد تسيل بعض الدماء ، ولكن بعد دقائق تجدهم قد عادوا يلعبون مع بعضهم البعض وكأن شيئا لم يكن ، أما إذا تدخل الكبار في الأمر ، تحدث الكوارث و المشكلات ، فقد تتطور الخلافات السخيفة البسيطة حتى تصل إلى المراكز الأمنية و المحاكم , و ينتج عن ذلك القطيعة والهجران و الكراهية و الحقد و البغضاء . ما رأيكم أيها الكبار أن نتعلم من صغارنا التسامح و المسامحة و التجاوز عن الإساءة ؟
يعبر الصغار عن مشاعرهم و احساسيهم و أفكارهم بصدق وعفوية ، فعند سؤالهم عن رأيهم بخصوص شيء معين ، لا ينضب ماؤهم ولا يندى جبينهم، يدلون بأفكارهم دون خوف أو رهبة أو وجل ، يرسلون أنفسهم على سجيتها بلا حدود ، بينما نحن الكبار لا نعبر عن مكنونات أنفسنا بسهولة ، و نرغب بالاحتفاظ بمشاعرنا و احساسينا و نخاف أن نفصح عنها أذا اقتضت المصلحة الشخصية ذلك ، الكبير يخشى الجراءة في كثير من المواقف، مما يسهم في بناء مجتمع سلبي خائف مرعوب.
يعرف عن الصغار حفظهم ألسنتهم ، فالغيبة ليست كارهم و حرفتهم ، فهم في اجتماعاتهم لا يتحدثون عن غائب ولا يخوضون في سيرته ولا يتتبعون عثراته ولا يتفكهون بغيبته وذكرمعايبه كما يفعل الكبار ، بينما تعتبر النميمة من أبرز المشكلات التي يواجهها الكبار ، فتجد بيئة عملهم مشحونة بالشائعات والأقاويل ينجم عنها إحباطات وأحياناً استقالات وخلافات تمتد خارج نطاق العمل، وبالتالي تدني إنتاجية الموظف وأدائه وانخفاض جودة العمل، عموماً يتفنن الكبار في النميمة الوظيفية من خلال ذكر مثالب الغائيين وتتبع عثراتهم بل والتغلغل في سرائرهم ، يا معشر الكبار ، تعلموا من صغاركم صون اللسان وحفظوه رطباً.
يذكر علماء الاجتماع بأن الصغار يتصفون بالانضباط الذاتي و احترامهم للقوانين و الأنظمة و التعليمات ، فإذا ما اشترك الصغار في لعبة ما تراهم يتفقون على أنظمتها وقوانينها ، بعكس الكثير من الكبار والذي تجده في البدايات منصاعاً يقدم الوعود باحترام الأنظمة و الأعراف و العادات و القوانين ، إلا أنه من أول خطوة يرتد على دبره متى ما سارت الأمور عكس ما يشتهي.
تعالوا أيها الكبار نتعلم من عالم الصغار ، عالم البراة الذين يتصرفون دون تكلف ، كثيراً نستطيع أن نتعلم من الصغار صفاء النوايا و نقاء القلوب و نسيان الألم و الفرح بأبسط الأشياء ، فهل نحن فاعلون ؟