يكتنف العمليات الانتخابية النيابية فى الوطن على مر السنين مجموعة من الظواهرو المظاهر السلبية التى تحولت معها الانتخابات من عملية سياسية هدفها الكشف عن العناصر الأكثر كفاءة و شعبية وقدرة على التعبير عن مصالح الوطن والمواطنين إلى ساحة لصراع القوة والمال و العشائرية و المناطقية و الإقليمية الضيقة والفئوية .
لقد هيمن الانفاق المُبالغ فيه على الحملات الانتخابية للمترشحين ووصل الأمر حد شراء الأصوات و الذمم في الدورات المتعاقبة ،حيث تم إستغلال حاجة الطبقات الفقيرة وضعف الوعي لديها ،هذا إلى جانب شيوع أعمال العنف اللفظي والتشهير بين المترشحين ،أضف إلى ذلك غياب النزاهة و الشفافية وشيوع عمليات التزوير المقصود من قبل أطراف لا تخفى على أحد،و التستر بالعامل الديني في بعض الدعايات الانتخابية من قبل بعض المترشحين بدعوى اسلامي مستقل ، مما ولد عدم الثقة في العمليات الانتخابية برمتها.
فى ظل هذا المناخ وطغيان المال السياسي وغياب النزاهة كعوامل حاكمة و حاسمة للفوز فى الانتخابات النيابية ، و التي من المؤكد أن لها ارهاصات و مؤثرات جانبية سلبية ، منها على سبيل المثال لا الحصر احجام الكثير من الكفاءات المهمة و القوى الحية و القيادات الفعالة والواعدة عن الترشح وخوض الانتخابات النيابية ، كما فقد الكثيرمن المواطنين الثقة و الموضوعية و الحيادية في انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة خالية من الشوائب ، وذلك في ضوء ما جرى و يجري في العمليات الانتخابية مما أدى إلى نوع من العزوف عن المشاركة تسجيلاً و اقتراعاً و ترشحاً ،حيث كانت المحصلة و المخرج النهائي انتخابات تتسم بالوهن الشديد و الفقر المدقع و الخسران المبين ، كما أظهر عدم قدرتها على إفراز الكفاءات والعناصر المتميزة القادرة على العمل النيابي بفاعلية ومصداقية وتواصل حقيقي مع المواطنين،و الأكثر من ذلك عجز المجالس المتعاقبة عن القيام بدورها التشريعي و الرقابي ، بل أنكفت على مصالحها الشخصية البحتة و غرق البعض حتى أذنيه في الواسطة و المحسوبية و الفساد.
في ظل هذه الظروف الدقيقة، لا بد من السعي إلى استعادة المُثُل والمعاني السّامية التي بني و قام عليها الوطن، والواجب الوطني يقتضي التشبث بالإصلاح الحقيقي الشامل وعدم التفريط به مهما كانت الأسباب و المسببات و المبررات ، كل ذلك يمكن أن يتم بعيداً عن محاولات التشكيك وبثّ الروح السلبيّة ودعوات الاستنكاف السياسي وجلد الذات، والمبالغات التي تضرّ بالمسيرة الوطنية و التي لا تعطي الصورة الحقيقيّة الصادقة عن الوطن. و على الجميع من معارضين و مؤيدين أن يبذلوا قصارى جهودهم في انجاز الإصلاح موظفين ما يمتلكون من جهود و طاقات وادوات التغيير المأمول المستندة الى الانتماء للوطن ومصالحه العليا وثوابته الاساسية، متمسكين بمبادىء الإصلاح الذي انطلقت عجلته دون السماح لاحد مهما كان بايقافها او تعطيلها، تذكروا أيها السيدات و السادة قول مارتن لوثر كينغ المصبية ليست في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار.
أيها المترشحون ، لم يعد الاسراف والبذخ في الدعاية الانتخابية يشكل عامل جذب للناخبين ، بل هو منفر ومستفز لا سيما وان هناك شرائح في المجتمع تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة ناتجة عن سياسات حكومات غير راشدة ،إن الإسراف في الدعايات الانتخابية يشكل استفزازاً للناخب ، وهذا يضر بالمترشحين أنفسهم حيث أظهار الهوة الكبيرة بين وضعهم المادي ووضع الناخبين البائسين و الفقراء المعدمين , وكأنهم يستعرضون قوتهم المادية عبر دعاية انتخابية مستفزة، الوطن بحاجة إلى طروحات انتخابية قابلة للتطبيق تتناول القضايا الملحة التي تعني الناخبين.
أعتقد ان هناك ضرورة ملحة لاعادة تقييم التجربة النيابية الأردنية ، و هناك ضرورة لتعديلها بما يتفق مع روح وجوهر الدستور والمصالح العليا للوطن ودعم الاستقرار والأمن فيه ، و عدم السماح بحدوث اصطفاف أو أنقسام بين أفراد الشعب ، لا سيما هناك الكثير من المواطنين ممن يعتقد بأن سلبيات المجالس النيابية كانت اكثر من ايجابياتها ، حيث عدم الكفاءة بشكل عام ، أضف إلى ذلك المهاترات التي كانت تحدث بين النواب مما ساهم في خلق أجواء مرفوضة من التوتر و مسلسلات من الاحتقانات تطورت الى مصادمات بين بعض الأعضاء وتشابك بالأيدي ، و كان هناك خشية من انتقال ذلك إلى أفراد المجتمع بكل فئاته واطيافه وتياراته و عشائره ، وأعتقد إن على أعضاء مجلس النواب ان يوقعوا على مدونة تلزمهم باحترام بعضهم البعض وتجنب اثارة أي مظهر من مظاهر السلوك المتشنج والمناطقي البغيض في اول جلسة ، وإن يتم الحوار الهادف البناء بشكل مهني ديدنه المصلحة العامة.
ان التقدم خطوات للامام يتطلب الحرص على التوافق الوطني بين كافة الأطياف ، والابتعاد عن السلبيّة والاستنكاف السياسي، وأن نعمل جميعاً على اختلاف آرائنا واتجاهاتنا في إيجاد بيئة حاضنة للتوافق و الاتفاق ، في ظل الظروف الراهنة غير المثالية التي يمكن وصفها بأنها تأتي في خِضَم الجدلية السياسية,بالرفض بالمشاركة والقبول بها , والثابت والمتغير,والواقع والمأمول, وتبرير الإخفاق كما تبرير الإقدام, وكل المتناقضات في واقع العملية الانتخابية ، و محاولات البعض المحمومة والمكثفة لتقزيم بل وأد الإيجابيات ، و محاولة البعض الآخر الصعود إلى قاطرة الإيجابيات بشكل مطلق دون الالتفات إلى أية سلبية في المركب ، قد يكون من المفيد الابتعاد عن التفاصيل ، تذكروا أيها السيدات و السادة إن الشيطان يكمن في التفاصيل.