هل يعلن الملك ثورة تقشفية على حكومته وديوانه وآل بيته .. ؟

mainThumb

26-12-2012 04:52 PM

 قد يستغرب البعض ما أكتب، لكن كلماتي هذه، على الرغم من صراحتها ووضوحها وجرأتها، إلاّ أنها نابعة من محبة خالصة للملك عبدالله الثاني وآل بيته، وما جعلتُه عنواناً لمقالتي ليس إلاّ إشارة إلى ما كان عليه السلف الصالح من الأئمة الذين تعلّموا وتربوْا في مدرسة جدّ الهاشميين الرسول الكريم محمد عليه السلام، وإن أَوْلى الناس بالاقتداء به هم آل بيته وسُلالته من آل هاشم الأطياب..

 

ولا تغيب عن مخيلتي، وأنا أوجّه خطابي للملك،  صورة ذلك الكهل الذي يفترش قارعة الطريق نائماً في البرد على مخمصة، أو صورة تلك الأسرة التي لا تكاد تجد ما تُذهِب به صقيع كانون وتخفّف عن أجساد أطفالها لسعات برده القارس، ولعل الصور المؤلمة التي لا تعلم عنها وزارة التنمية الاجتماعية أكثر من أن تُحصى، كما أن واقع الناس المؤلم في ظل استشراء الغلاء الفاحش لا يسرّ صديقاً ولا عدواً، والأدهى أن الأجهزة الرسمية تقف لاهية متفرّجة على المشهد المؤلم، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأن الجوعى، والمحرومين من نعمة الدفء وطمأنينة العيش الكريم، ليسوا بشراً فضلاً عن أن يكونوا مواطنين في بلد كان ولا يزال يفتخر برفعه لشعار الإنسان أغلى ما نملك..! وشعار كلنا الأردن وكلاهما يحمل مضامين التكافل والتضامن والعدالة والانتماء، وهي مضامين تقف الآن متأرجحة على حبل دقيق من الصعب علينا التكهّن بعمق الهوّة تحته، في حالة اختبار ليست مضمونة النتائج..! 
 
إسأل يا جلالة الملك أياً من الحكاّم الإداريين في محافظاتنا الإثنتي عشرة عن أحوال الناس وظروفهم المعيشية، واسألهم فيما إذا كانوا يتفقدون الناس في قُراهم وبواديهم وحاراتهم وزقاقاتهم، ويتفقدون واقع الخدمات المقدّمة لهم، إسألهم عن الأخاديد والحفر والترهل وأوضاع النقل واختناقات المرور والمواصلات العامة المزرية، والاعتداء على الأرصفة والشوارع، واسألهم عن الزعران والبلطجية والمتحرّشين، والتجّار الجشعين، وبؤر الجوع والحرمان، واسألهم عن الدوائر الحكومية التي تنخر فيها البيروقراطية وسينخر فيها عما قريب فساد كبير..!! اسألهم يا جلالة الملك: هل يلتقون بالناس ويتلمسون احتياجاتهم وهمومهم وآلامهم أم يكتفون بالجلوس في مكاتبهم واستقبال الوجهاء ومنْ قيل لهم أنّهم وجهاء، ويُلبّون دعوات الولائم والجاهات ما يشغلهم عن القيام بواجباتهم الأساسية في التنمية وخدمة الناس وحفظ الأمن ومساعدة المحرومين والضعفاء..!!
ما في الجعبة كثير، لكنني لن أصدّع رأس جلالتكم بهموم شعبك، لأنك أدرى، لكنني أحب أن أذكّر جلالتكم أن الأردنيين يعيشون في هذه المرحلة القاسية عام رمادة جديد شبيه بعام الرمادة الذي عاشه الناس في السنة الثامنة عشرة للهجرة عندما أصاب القحط والجفاف منطقة الحجاز، وأجدبت الأرض حتى صارت سوداء كالرماد، وهلكت الماشية وكثُر الجياع..!!
 
وأذكّر جلالتكم بما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي فرض على نفسه برنامجاً حياتياً تقشفياً قاسياً، وعايش الناس في هذه الأزمة باعتباره المسؤول عنهم ولم يُعفِ أياً من أهل بيته من برنامجه التقشفي، كما لم يميّز نفسه أو أحداً من أهله عن سائر الناس، حتى وهم قادرون على التنعم برغد العيش الكريم، لكنه آثر أن يشارك عموم الناس ظروفهم وأزمتهم المعيشية حتى تجاوز الناس المحنة بصلابة وإيمان.. فهل تفعل ما فعله ابن الخطاب يا جلالة الملك..؟! وهل تُلزِم حكوماتك وديوانك بهذا أيضاً، حتى تستطيع هذه الحكومات إقناع شعبك بقراراتها وإجراءاتها فيتعاطى معها بإيجابية، و تُبدّد شعور الناس بأنها إنما تستهدف إفقارهم وتجويعهم، فيما هي تعيش في بحبوحة ودعة وترف وبذخ..!! إسأل حكومتك يا جلالة الملك: ما البرنامج التقشفي الذي ألزمت نفسها به، وما البرنامج الذي يجب أن يُلزم به رئيسها شخصياً وكل وزرائها أنفسهم وأهلهم وذويهم به.. أم أن الشعب وحده من يجب أن يتحمّل التقشّف من أجل عيون موازنة أهلكتها اجتهادات حكومات غير مسؤولة، وما زال رؤساؤها ووزراؤها طلقاء أحرارا..!! ما المانع في أن يذهب رئيس الحكومة إلى مكتبه في الدوار الرابع على ظهر دابّة لا تُكلّف الخزينة سوى ما يكفي لتعليفها صباحاً ومساءً، ويذهب وزير المالية على ظهر بغل، ويذهب وزير تطوير القطاع العام الذي يفتخر بأنه وفّر على الدولة مئات الملايين من الدنانير، وهذا غير صحيح البتة، عبر مشروع هيكلة الرواتب، لماذا لا يذهب إلى مكتبه على ظهر حمار ليزيد في وفر الموازنة ووفر كلف موظفي الدولة على الخزينة..!! ما العيب في أن يضرب لنا هؤلاء وكل أعضاء الحكومة مَثَلاً رائقاً ونموذجاً يحتذى في التقشّف والشعور بالمسؤولية التضامنية مع الشعب، وليُعفوا الخزينة من نفقات المرسيدسات والجيبات والمرافقين والحرس والحجّاب..!؟ 
 
يا جلالة الملك، لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُدرّب نفسه على رهافة الحس فكان اذا بلغه أن الغلاء قد حل بناحية من نواحي الدولة جعل عيشه كعيشهم ويقول: كيف يكونون مني على بال إذا لم يمسّني ما يمسّهم..!! وإني على قناعة بأن جلالتكم لن يهدأ لكم بال حتى يُرفع الكرب عن شعبكم وتنكشف عنه الغمّة، ويعيش هادئاً مطمئناً بأمن وسلام ورخاء ووئام، وأنكم، حتى ذاك، ستُلزِمون أنفسكم وحكوماتكم وديوانكم وأهل بيتكم بعيش تقشفي إحساساً مرهفاً بالمسؤولية وتضامناً مع شعبكم الذي يعيش سواده الأعظم الآن في محنة البرد والقهر والحرمان..!
 
 
أما آخر الكلام، فأُعِيد: : إنّ ما يمْسَسْ الشعب من قرح يمسَسْ الحكومة قرحٌ مثله، والدنيا دوائر تكشفها السرائر وتجلوها الضرائر..!! 
 
        Subaihi_99@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد