الكراهية تلوث اعلامنا

mainThumb

25-12-2012 03:45 PM

 شعرت تلك الليلة أن لدي رفاهية الوقت التي افتقدتها منذ زمن حيث يمكنني الآن أن اجلس أمام التلفاز وأمسك الريموت كنترول بدون منافسة وأتحكم بمشاهدة ما اريد وامارس هوايتي بتقليب القنوات كما اشاء لكن ما شاهدته تلك الليلة في فضاءنا وإعلامنا كان صادما يثير الغثيان حقا ولم اكد اصدق أن فضاءنا يعبق بكل هذا التلوث وهذا العفن فالكراهية  والعنصرية والسطحية والتطرف والانحياز والتحريض والتضليل هي العلامات البارزة والبضاعة الرائجة في دكاكين اعلامنا العربي الحديث.

 
توقفت عند أحدها لأجد أن بضاعتهم عنصرية كريهة تنهشنا على أساس مذهبي وأن بلد المتصل له دلالة كبيرة بل أن السؤال الطائفي صار صريحا من غير خجل ولا مواربة اللعن والشتم لغة التخاطب وقمع الفكر يمارس بعنجهية مطلقة فتنتقل الىمحطة اخرى فتلمس العنصرية والكراهية على أساس ديني حيث الشتم والردح لغة القوم في دكانهم تهرب سريعا الى ثالثة لتجد التعصب والانفعال سيد الموقف ويكاد السيد لا يجلس أبدا على مقعده لفرط انفعاله وهيجانه وليهيج الناس بأسلوب مثير مريب معيب.فجاءة  تتذكر موعد ذلك البرنامج الشهير الذي يفترض انه يستضيف اصحاب الفكر والادب والكثير من اصحاب الالقاب ليضيق صدرك اكثر حيث يضيع وقتك هباء فلا تسمع ولا تفهم ولا تضيف شيئا ولغة الحوار سوقية او شارعية وكم هو مدهش ان ترى وجه المقدم يقطر بشرا  حيث ان هذا كله شروط النجاح  والجماهيرية وبعدها يقبض الضيوف مكافأتهم ونحصد نحن خيبتنا وتزداد جماهيرية البرنامج ومقدمه الالمعي الذي يصنع المعجزات بأن يجمع اثنين فقط ليبرزا مواهبهم في التشاتم في مشهد يشبه صراع الديوك.
 
في إعلام دول الربيع العربي تحديدا زادت الفضائيات اضعافا كما الدكاكين وكل منها ينحو في اتجاه معين ويدير قرص الوطن لجهته حيث نجد ان سلطة اعلامنا الجديدة التي تحكم عالمنا العربي اليوم هي سلطة رجال المال والاعمال او سلطة دول الثراء فلا حياد او موضوعية والمحطات تتسابق في انتاج الفتنة بجميع اشكالها ويبدو الوطن كله محاصرا بين ميادين وساحات واتجاهات متناحرة.
 
في السابق كان يقززنا اعلام رسمي له قضية واحدة هي ان يطبل لحكوماتترقص على الام الناس وعندما بدا عصر الفضاء تفاءلنا خيرا بان نتحرر من استبداد الحكام والحكومات لنقع اليوم في فخ اخر واستبداد من نوع اخر هو استبداد راس المال السياسي الذي اصبح يعبث بنا ويفت لحمنا وعظمنا .  
 
يبدو اليوم وكأن كثير من فضائنا محكوم بنظرة فردية يمثلها صاحب المال او نظرة جماعة ضيقة بضيق مصالحها اما مصلحة الوطن فهي غائبة تماما لا يكاد احد يلتفت اليها أو يهتم بما تفعله هذه الدكاكين من تفتيت وتقطيع في اوصال الامة.
 
لا اعرف لماذا تزاور امتنا دائما وفي كل شان من شئونها بين التطرف والتطرف بين اقصى واقصى بن استبداد واستبداد او بين استبداد وفوضى امة الوسط هجرت منطقة الوسط  وبين الحافة والحافة تزداد دائما مخاطر الهلاك.
 
ما بين اعلام مطبلاتي واعلام مشعلالاتي فقدنا دائما الاتزان والموضوعية والصدق والشفافية لتضيع الفرصة في الوصول الى اعلام ملتزم وليتنازع امرنا مستبدون فاسدون متحالفون على الدوام ضدنا في مطالعة وجه الحق والحقيقة .
 
إعلامنا الإخباري والسياسي يفقد قيمته وبريقه يوميا بافتقاره لأسباب الاعلام الناجح حيث الحياد والنزاهة والشفافية قيم مفقودة يقابل ذلك توافر قيم الانحياز والانتقاء والتملق والتحريض وتغييب الحقائق وقصدية التضليل والخداع  وهذا يعني انسحاب البساط من تحت اقدام اعلام هزيل لصالح اعلام غير عربي نتحمل بعض سمومه مقابل ان يحترم عقولنا ولو قليلا ويشعرنا بحرفيته ومهنيته .
 
لقد كانت محطة بي بي سي العربية مصدر الخبرالهام والصادق وكذلك الحال بالنسبة لإعلام اسرائيل لعقود من الزمن وعندما انفتح الفضاء راهنا أن يتغير شيئا في مهنية إعلامنا لكن يبدو أن إذاعة لندن وبعد ان احتفت بعيد ميلادها الثمانين قبل قليل ما زالت تستحق ان ترفع لها القبعة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد