لا بد من التوقف ملياًَ عند أحداث الربيع العربي ودلالاتها في تكوين شخصية عربية جديدة و متنامية وفاعلة ، إن الخروج في مسيرات أو وقفات احتجاجية يعني كفراً بمؤسسات الدولة المتكلسة التي هي في أحسن أحوالها لم تكن قادرة على تقديم الخدمة الحقيقية و الحقة للمواطن ، كما أظهرت أحداث الربيع العربي حالة من عدم التردد في توصيف الواقع و تشخيصه بناءاً على مسطرة مقومات الحياة الكريمة و التي أهم مكوناتها الحرية والكرامة و العدالة و الديموقراطية.
قبل هذه الأحداث كان المواطن العربي مهمشاً بعقله و أحلامه وآماله ، حيث كان متلقياً سلبياً للمشاهد التي ترسم له بغرائبية عجيبة، تجعل مجرد التفكير في حلم الحصول على الكرامة و الحرية و رغيف الخبر سيدخل صاحبه في منطقة خارج التاريخ الإنساني و القيم الوطنية و المواطنة الحقة .
هناك أثر كبير للهزات الناجمة و الناتجة عن الأحداث في تكوين شخصية المواطن العربي وإن ما زلنا نتابع نتائجها و ننتظر منها المزيد ، فقد أصبح لدى المواطن العربي أملاً في بناء دولة متينة و دولة مؤسسات و قانون يعيش على ثراها بكل حرية وعدالة ، كما أصبح المواطن العربي يقظاً و مدركاً لحقه أن ينعم بأجواء من الحرية و الديمقراطية ، و اصبح من حقه أن ينهض لينبعث من جديد، وأن تنظر الإنسانية إليه كمرحلة جديدة ,اخذ المواطن العربي يطمح إلى فضاء تتوفر فيه الحرية والعدالة ويكرّم فيه المواطن. كما أصبح يرفض سياسة الكيل بمكايل عديدة في التعاطي معه.
أظهر الفرد العربي بأنه متعطش للديمقراطية وقيم الحرية بشكل منقطع النظير ، في كفاح ونضال استمر سنين طويلة ضد أنظمة قمعية وتسلطية تم دعمها من دول المركز الغربي والشرقي، كما ساهمت القيم الموروثة دينياً وثقافياً في الثورات العربية بشكل واضح لا ينكره أحد وأبرزت أن قيم العرب تقبل الديمقراطية والحرية بل وتصنعها وتصدرها الآن ، وليس كما كان يشاع بأن العربي ليس مؤهلاً للديموقراطية.
لقد تجذر في الشخصية العربية بأن العرب ليسوا مجرد دعاة عنف وسفك وقتل ، كما كان يروج لها في الغرب من تصوير العرب وكأنهم تنظيمات إرهابية بقصد المحافظة على ثبات العملاء في الوطن العربي ، إذ أثبت الربيع العربي رقي وسلمية هذه الشعوب رغم سنين من القهر والعنف السلطوي ضدهم.
لقد استعاد المواطن العربي وعيه و بصيرته بعد إن شتت أفكاره عن طريق أبواق الأنظمة و الإعلام المزيف الذي هدف إلى طمس وتهميش العقول والأفكار التي من شأنها أن تنهض بالواقع العربي وتواكب مسيرة التحضر العالمية . و لكي لا يملك المواطن الجرأة لقول كلمة الحق في وجه هذا السلطان الجائر ، حاربوا المواطن في رزقه ، فهم يريدون أن يكون جل تفكير المواطن في تأمين رزقه لأولاده الذين يكابدون الجوع فنهبوا أموال وثروات الأوطان . لقد استعاد المواطن العربي وعيه وصوته الذي حجب لمدة طويلة حيث أصبح يطالب بتغير الواقع المؤلم ذلك الواقع الذي رسخته ورسمته آلة الطغيان ، نعم فشلت بعد أن حل الربيع العربي الزاهي .
لقد بزغ فجر جديد يطالب فيه بالحرية والديموقراطية، أتمنى أن يرحل الوجل و الخوف إلى غير رجعة، أتمنى أن لا يأتي الربيع العربي بديكتاتور جديد، فالأنظمة الاستبدادية قبل الربيع العربي كانت تنادي بما تنادي به الثورات العربية، لكن الأهم أن تتشبث هذه الثورات بثقافة الديمقراطية والحرية، وأن تعمل على التعايش بثقافة البناء والتضحية، ورفض ثقافة الإقصاء. لا بد من المراهنة أن يستكمل التطور الديمقراطي في وطننا العربي خطواته، ويقيم أنظمة ديمقراطية، مدنية، عصرية، عادلة وقادرة أن تجفف منابع الفساد، وأن تحقق الحياة الكريمة لشعوبها.