تمر الأمة العربية في مختلف اقطارها بما يمكن وصفه بالحراك من أجل التغيير.في البعض منها أخذ الحراك شكل (ثورة) شعبية سلمية سرعان ما تم الاستحواذ عليها من قوى التيارات السياسية الإسلامية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب الجماعة التي تحمل عنوانا مشتركا للحرية!!,وفي بعضها حملت قوى حلف الناتو وأتباعها (تركيا ودول عربية) وهي مجموعة دول مارست وما زالت السياسات الاستعمارية وارتكبت جرائم تاريخية بحق الشعوب التي ابتليت بعدوانهم أينما حلوا (فلسطين,قبرص,إيرلندا,العديد من دول أفريقيا ....) بزعامة أميركية لم تعد بحاجة إلى توصيف منجزاتها التدميرية وسياساتها الإمبريالية العدوانية المدفوعة برؤى امبراطورية,بحق الشعوب والأمم في مختلف أرجاء المعمورة,حملت هذه القوى بالتحديد (راية ثورة ) الشعب الليبي,التي نشهد اليوم بالتأسي على ما آلت إليه أحوال الشعب الليبي من أوضاع مأساوية تقسيمية وتدميرية لكيان الدولة ووحدة أراضيها.
نعود بذاكرة الأمس القريب لنستعيد حالة مأساوية شكلت بداية لانهيار القيم في تاريخ أمة تسعى للوحدة طبعت تاريخ النظم العربية المعاصرة بحكم الزمن وليس بالاحتكام إلى قوانين العصر في التقدم والترقي والتماهي مع دوافع التطور وأدواته,تلك الحالة التي استضافت!! فيها تلك الدول القوى الأجنبية عينها لغزو العراق(وصفها يعض الأميركيين بالغلطة الفظيعة,وكانت أيضا كارثة على الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي,ولكنهم لم يضيفوا إلى ذلك هدر ثروات الاقتصادات العربية) لنشر الديمقراطية, فأكرمت وفادها بأموالها وسهلت لها استباحة كل معنى من معاني القيم الوطنية والقومية والأخلاقية الوشائجية لأمة عربية – إسلامية,فأعفتها قوى الشر تلك من مطالبتها بالديمقراطية,بغية تدميرالعراق عسكريا واقتصاديا ومعنويا, ولا يجب علينا أن ننسى استهدافها المتعمد والمقصود لمقومات الحضارة التي ساهمت بها السلالات العراقية القديمة والحديثة,وإتلاف معالم تلك الحضارة ووثائقها التاريخية وسرقة شواهدها ونهب آثارها,وتهديم متاحفها وقواعد معالمها التراثية.ومع كل آثام تلك الحالة وآثارهاالمعنوية التي تتناقض مع كل القيم ,وليس فقط قيم الديمقراطية تمارس ذات الدول السياسة ذاتها وبمشاركة فعالة في محاولة تدمير سوريا وما تمثله من دورمشهود له في تاريخ الحضارة الإنسانية دينيا وثقافيا...,وما تؤديه من دور سياسي مقاوم ومتصد لسياسات الهيمنة الصهيو- أميركية على المنطقة.تفعل هذه الدول ذلك دون أن يكون لإرادتها,إن وجدت, أي اعتبارعند القوى الامبريالية التي تتمركز في مراكز دولها الجغرافية وتتصدرصنع قرارتها رغما عنها.
كما أدار حلف الناتو(ثورة) الشعب الليبي وبالأخص أميركا وفرنسا وبريطانيا الذين يحكمون بلادهم ديمقراطيا, يقومون منذ حوالي السنتين توجيه أتباعهما من الأتراك والعرب ومجنديهم من السوريين ومقاتلي القاعدة وتحريكهم وتمويلهم وتموينهم,وهؤلاء كلهم معادون للديمقراطية ومكفرون لها وقائمون على استغلال مبادئها على المنهج النازي الشهير,للقيام (بالثورة) السورية لتجد هذه القوى المعتدية نفسها أمام مرحلة صحوة سورية وطنية بمرجعية قومية تاريخية فات أطرافها من العرب إن الولاء للغرب لا قدرة لهم الخروج منه,وعليهم واجب الطاعة لا مفر منه .إن الولاء للوطن, ولعرى القومية ,من جهة مقابلة لا غلبة لقوى الشرعليهما,ولا قدرة لمتآمر أو مرتزق أن ينال من إرادتهما,وأن يحقق ما يحلم به من نصر يجلب له الاستقرار والاطمئنان على مساره.
يلاحظ المتابع لمجريات الثورة في مصر وإلى حد كبيرما يماثلها في تونس,تخندق الأمية الديمقراطية في طروحات حزب الحرية والعدالة ,ممثلوا السلطة الحاكمة في مصر,(ومماثليهم من حزب النهضة الحاكم بإتلاف هش في تونس) التي يمكن متابعتها في الحوارات والمنتديات التي يشارك بها ممثلوهم,ومفكروهم ومندوبوهم بها,ليكرر كل واحد منهم نفس العبارات التي تحمل مغالطات مبدئية لمفاهيم الديمقراطية وأبجدية مبادئها,ويتكام الواحد منهم بما لا يتاح لغيره من الأطراف الأخرى من وقت,ليشكو من عدم إتاحة الوقت الذي أتيح لغيره بتعمد الإساءة إلى الإعلام.ومن أكثر النقاط التي تحمل مغالطات واضحة وجسيمة تتلخص في ؛
*-مفهوم الأغلبية والأقلية :- في الديمقراطيات الحية والمجربة يعتبرمفهوم الأغلبية – الأقلية من المفاهيم التي حلت عليها لعنة القيم الديمقراطية,وتم تصنيفه كمفهوم معاد لأبسط مبادئ الديمقراطية ومتناقض مع أبسط أعرافها ومثلها,لأن جوهر الديمقراطية الحقوق الأساسية والطبيعية لكل مواطن ,ولكل مكون من مكونات المجتمع الدينية والثقافية واللغوية والعرقية والقومية,وإن القرارات التي تصدر بإلزامية وتتعلق بأي منالحقوق والواجبات الطبيعية والقانوينة للمواطن يجب أن تكون قرارات توافقية بالضرورة,وإلا فإنها تصنف كقرارات تقسيمية استئثارية تكرس دكتاتورية الأغلبية وهذه أعتى أنواع الدكتاتوريات وأشدها قسوة وظلما.
*-القرارات التوافقية :- لا تخضع قانونية القرارات التي تتخذها السطلة الحاكمة,أو أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع الديمقراطي,لعدد المؤيدين لها أو الرافضين لها,لأن الأصل الديمقراطي يصيب الفكرة ذاتها ومدى تقاضيها مع المبادئ الديمقراطية ومناهجها التي اتفقت عليها مكونات المجتمع وقواه ومؤسساته,أي إن الديمقراطية للفكرة ذاتها ومدى مواءمتها لموضوعها ونفعها للمصلحة العامة وصواب تماهيها مع حاجات الترقي والتطور,والفكرة تشترط إعمال العقل للفهم وليس لصم الصياغة دون تفكر بمعناها, وليس لعدد الموافقين عليها والمعارضين من الديمقراطيين وغير الديمقراطيين!!.الوعود الكاذبة لا موقع لها في أدبيات الديمقراطية سياسيا.
*-الخيمة الديمقراطية:- تشبيه الديمقراطية بالخيمة وعامودها يمثله رئيس السلطة (اليد مرسي ,رئيس الجكهورية) والأوتاد تثبت أطرافها(السلطات الأخرى),فإذا سقط العمود انهدمت الخيمة ,أما سقوط أي من الأوتاد الأخرى فلا يفعل نفس الأثر,ينطبق هذا التشبيه بدقة على توصيف شكل النظام الدكتاتوري وتقسيماته الإدارية ذات التبعية المرتبط وجودها بوجود الزعيم!!,ويقوله أحد قيادي حزب الحرية والتنمية شارحا فهمه للديمقراطية معطيا عليها المثال التوضيحي بالخيمة.ولكن بدهيات بنى الدولة,( حتى الدكتاتورية منها للتغطية على فظائعها) تتشكل بكل بساطة مما هو معروف منذ قديم الزمان من سلطات ثلاث,التشريعة والتنفيذية والقضائية, التي تتمتع كل منها باستقلالها السيادي,ولا يحق لأي منها التدخل في شؤون الخرى أوالتغول عليها.
أي إن الديمقراطية مؤسسة على قاعدة شعبية ترتكز عليها أعمدة ثلاثة وتبنى عليها كيانات الدولة وفعالياتها,ويعيب غياب أحدها مسار الديمقراطية وأساليبها. تحترم قرارات السلطة القضائية ,وتكتسب حصانة ضد التمرد أو التهجم عليها خاصة من جاني رئيس الدولة, لأنها مقيدة بالقوانين والتشريعات التي تضعها السلطة التشريعية,وهي مراقبة مراقبة داخلية في تسلسل هياكلها القضائية التي تتيح حق الاستئناف على القرارات والأحكام التي تصدر عن محاكمها.ومن أبسط القولات المعرفة بالديمقراطية إنها دولة القانون,وهي ليست دولة الرئيس ولم يقل أحد ديمقراطي ذلك!!.
ومن بدهيات العمل الديمقراطي وجود معارضة حيوية وفاعلة تراقب أعمال السطة التنفيذية وتتابع قراراتها وتتصدى لأي انحراف أو محاولة انحراف تغري به السلطة,عن قيامها بواجبها بموجب التزاماتها القانونية والأخلاقية,وبما يضمن الحفاظ على أمن الوطن وسلام والمجتمع وصيانة أمن المواطن والحفاظ على سيادة الوطن وتأمين احتياجات المواطن الأساسية.المعارضة نشاط يقع في مقام السلطة الرقابية (سمها السلطة الرابعة إن شئت) على سلوك السلطة التنفيذية وممارساتها يخضع لها رئيس السلطة مثلما يخضع لها أي موظف من العاملين في الحكومة. والضيق بالمعارضة أول خطوات الخروج الفظ على الديمقراطية , وبداية مرحلة الفساد السياسي والاقتصادي.والتجربة الديمقراطية تؤكد إن انفراد حزب أو تجمعا بلون سياسي واحد دون مشاركة القوى الأخرى في الحكم لا يحقق الاستقرار,ولا يمثل إرادات شعبية,بل إرادة فئوية ضيقة بغض النظر عن أتباعها المنفذين لما يطلب منهم طاعة منهم دون حاجة بهم إلى تفكير في نتائجها, ويقعون في فخ أساليب التبريركأزلام سلطة ,ومثل هكذا نظام لا ينتمي إلى أي نمط ديمقراطي.