إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي، فهو الأساس لكل عملية تنموية والداعم الأساسي لتحقيق الأهداف الإستراتيچية و إنجاز المخرجات المرجوة . والإبداع في المؤسسات على شتى أنواعها و هياكلها هو إنتاج أفكار جديدة غير مألوفة شريطة أن تكون أفكاراً مفيدة وذات جدوى ، فمثلاً يعتبر إيجاد موظف ما طريقة جديدة لتسريع إنجاز المعاملات و توفير الوقت و الجهد و المال على المراجعين نوعاً من الإبداع.
يتضمن الإبداع في المؤسسات جميع العمليات التي يمارسها الموظف والتي تتسم بالأصالة والطلاقة والمرونة والمخاطرة والقدرة على التحليل والخروج عن المألوف سواء للفرد أو للمؤسسة التي يعمل بها والحساسية للمشكلات التي تنتج عن التعامل مع بيئة العمل ، كما يعرف الإبداع المؤسسي على أنه القدرة على ابتكار أساليب وأفكار يمكن أن تلقى التجاوب الأمثل من العاملين وتحفزهم لإستثمار قدراتهم ومواهبهم لتحقيق الأهداف التنظيمية و المؤسسية.
وحتى يبدع الموظف في مؤسسته لا بد من توفير بيئة حاضنة تتقبل الإبداعات على شتى أنواعها، إذ لا يمكن أن يبدع الموظف في بيئة ترفض الجديد وتقاوم التغيير و تحارب التجديد . وحتى تصبح بيئة المؤسسة بيئة إبداعية، يجب على المدير و مساعديه أن يقتنعوا إن بإمكان الموظفين أن يبدعوا ويبتكروا حلولاً لمشاكل تواجههم، بل عليهم إلغاء الكثير من القواعد العقيمة و التعليمات غير الضرورية التي تضع عراقيل تعيق الموظفين عن الإبداع مثل عدم إعطاء صلاحيات للموظفين حيث عملية تسيير دفة المؤسسة تأتي عن طريق واحد وباتجاه واحد ، من الأعلى إلى الأسفل. فالتخطيط و التعليمات تأتي دائماً من الأعلى ( المدير ) ،و ما على الموظفين إلا التنفيذ و التقيد بها نصاً و روحاً. على المسؤول إعطاء الموظف مساحة من التصرف حيث أنه قادر على تلمس متغيرات في ميدان العمل ليس بمقدور المدير أن يراها. من هنا لا بد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب و الذي يتميز بخبراته ومهاراته و كفاياته و مؤهلاته ، مما يؤدي إلى توقد شعلة الإبداع لديه. كما أن التسكين الوظيفي في المكان غير المناسب يؤدي إلى الإحباط والشعور بالتهديد والقلق و الخوف من المستقبل المجهول.
يدعم الإبداع بقوة سبل التنمية و صناعة الإنسان و إعداد المواطن الصالح ، كما أنه أحد السبل المهمة التي تساعد على رفع وتحسين الكفاءة والفاعلية في المؤسسات الخدمية والإنتاجية ، حيث لم تعد الإدارة التقليدية ممكنة في هذا الزمن لما لها من عواقب وخيمة ونتائج لا تحمد عقباها ، فهي تحوَل الموظفين و العاملين إلى بيروقراطيين وتسلبهم قدرتهم على الابداع و الابتكار ، و ما يصاحب ذلك من رغبة المدير صاحب السلطة في المحافظة عليها.
و حتى نشجع بيئة الإبداع في المؤسسات على اختلاف مهامها وأنواعها وأحجامها فلا بد من إطلاق حرية التفكير والترحيب بالأفكار التي تحقق الهدف المنشود للمؤسسة مهما كان نوعها أو مستواها، و البناء على أفكار الآخرين وتطويرها، والفصل ما بين استنباط الأفكار و تقويمها، و تحفيز الدافع الذاتي حتى يتبنى الموظف المهمة ويحرص عليها ويبدع فيها.
كذلك لا بد من مراعاة جملة من المبادىء منها على سبيل المثال لا الحصر إفساح المجال لأية فكرة لكي تولد وتنمو ما دامت في الاتجاه الصحيح وفي خدمة الصالح العام و المصلحة العامة، فالتطوير و التحديث قائم على الإبداع لا تقليد الآخرين، ويجب أن يُعطى الموظفون حرية كبيرة ليبدعوا على أن تتركز هذه الحرية في المجالات الرئيسة و الأساسية للعمل، وتصب في المخرجات الأهم ، كا أنه لا بد من التخلي عن الرتابة و الروتين والمركزية في التعامل ، و تحويل النشاط الوظيفي إلى مسؤولية، والمسؤولية إلى طموح، و أخيراً لا بد من أن تكون التوقعات عالية على الدوام حيث التطلع إلى الأعلى دائماً، مما يحفز الموظف إلى العمل وبذل المزيد من الجهود ، ومن ثم السعي إلى تحقيق الأهداف و الغايات الأبعد باستمرار، حيث عندما يتحقق هدف يجب النظر إلى الهدف الأبعد لضمان مسيرة فاعلة ومستمرة ومتكاملة.
وقد أجمع كتّاب الإدارة والمديرون على أن حاجة المؤسسات إلى الإبداع حاجةً ملحة تفرضها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، بالإضافة إلى الظروف المتغيرة والمعقدة التي تعيشها المؤسسات المعاصرة حيث إن الإبداع يذلل المصاعب ويولد الأفكار البناءة ويحول المؤسسات الخاملة إلى أخرى نشطة وحية.