نماذج للوطن من الطفيلة

mainThumb

08-12-2012 03:52 PM

في أيام الربيع العربي، ومحاولات الانفلات من كل الضوابط، التي  ألفناها سمة للشخصية الأردنية، نجد الطفيلة التي أنجبت زعامات في الأمانة والسلوك الوظيفي المناهض للفساد، تطلق إشارات غير مسبوقة في زمن الجيل الحالي الذي يدير مؤسسات الدولة.

ونتساءل عن سبب التعامي عن مثل هذه النماذج، في جهازنا الحكومي، وعن بواعث التهميش الفاضح لرجالات المحافظات من الشباب الأمين القادر على إدارة دفة العمل في الوزارات والمؤسسات بنمطية جديدة تؤسس لشفافية حقيقية، ولسجل ناصع البياض من الأمانة.

 بعيدا عن الإطالة، فاءن رئيس لجنة بلدية الطفيلة الكبرى المهندس خالد الحنيفات، ومدير الأشغال العامة في المحافظة المهندس ياسين البدارين، صنعا فارقا في المسيرة الوظيفية في المملكة، التي تعج بالعشرات من الفاسدين وأبناء الفاسدين وأحفاد الفاسدين.

فالحنيفات مثلا، شاب ثلاثيني، تميز في القطاع الخاص، لكنه استجاب دون تردد لنداء الناس، لرئاسة بلدية الطفيلة الكبرى، فجمع رقما قياسيا في تاريخ الطفيلة لرئيس منتخب في الدورة الماضية، دفعت بالوزارة الى طلبه لرئاسة لجنة البلدية، دون ان تلتفت اليه سهام رؤساء الوزارات الذين يبحثون في العادة عن المحاسيب و التنفيعات.

ليس من مجال للحديث عن طهارة اليد، وعفة السيرة الوظيفية لهذا الشاب اللامع المبدع، في الإدارة والأداء ، لكنه على الأقل، يشارك في مؤسسات  ومنتديات عالمية، يرفض أن يتسلم حقه الطبيعي من الحكومة من المياومات والاستحقاقات المالية، التي يتهافت عليها أصحاب القصعة.

أما مدير الأشغال العامة في الطفيلة بالوكالة فلم يلفت سلوكه الوظيفي لا الوزير ولا رئيس الوزراء، ولا أحدا من القوم، على الأقل لإنصافه بالتثبيت في عمله الذي يؤديه بصورة مغايرة للمألوف، لم نسمع بمثلها إلا في أيام عمر ابن عبدالعزيز. 
  فقد كان الخليفة عمر مشهورا بأناقته ولبسه لأفخم الثياب قبل أن يولّى الخلافة، فلما تولاها لم يعد يملك سوى ثوبا واحدا مرقعا، , في أول يوم من خلافته، خيّر مواليه بين البقاء معه على عشرة دنانير، أو التخلي عن خدمته، ثم ذهب إلى زوجته فاطمة وخيرها بين أن تدع حليها وجواهرها في بيت مال المسلمين (و قد كانت تملك ما لا يعد ولا يحصى) أو أن يطلقها، فآثرت ملازمته وتخلت عن كل ما تملك.

المهندس البدارين وفر على البلد منذ عمله مديرا قبل سبعة أشهر قرابة (50) الف دينار بضبط عمل السيارات في المديرية، وتخلى عن سيارته الحكومية الفارهة، وأعادها للوزارة، واستخدم سيارته الخاصة، وأوقف التدفئة، وهو أول الموظفين دواما في الصباح، وآخرهم مغادرة للعمل مساء.

هذا الشاب، له من القصص التي رواها عدد من الموظفين والجلساء، ما يفوق الخيال، نحجم عن الإتيان عليها حفاظا على هيبة هذه الشخصية ووقارها الوظيفي، منها اقتطاعه مبالغ من العطاءات المختلفة، لطرح عطاءات جديدة، لخدمة الناس في المناطق المختلفة، الشاهد في القضية انك ترى عمل الأشغال في الطفيلة طال أرجاء المحافظة، مع أن كثيرا من العطاءات جاءت بالمجان، عبر وفورات واقتطاعات استجاب لها المقاولون.

ومن الروايات العجيبة لهذا الشاب، ان وزيرا عريقا، طلب منه لودر لاستخدامه في أرضه، لكنه ومن اجل احترامه قام باستئجار آلية على نفقته الخاصة، وأرسلها للمذكور دون ان يعلم بالخفايا، ثم طلب منه الوزير اياه جرافة، فاعتذر، فطلب اليه وزير الأشغال العامة والأمين العام، أن يمنح المذكور جرافة للعمل في مزرعته الخاصة، فرفض بشدة، وهدد بالاستقالة.

الأكثر تصادما مع كثير من أدبيات العصر، ان الشاب البدارين، الذي ينبغي ان يكون القدوة والمثال على الانجاز والشفافية الحقيقية للموظفين والعاملين في القطاعين الخاص والعام، عمد مرات الى تأجيل عملية جراحية ضرورية لوجود أولويات في العمل في الدائرة، ورفض على الدوام استلام استحقاقاته من المياومات.

ليس عيبا ان نستذكر خلفاء للأمة وشرفاء في الخدمة أمثال محمد عوده القرعان، لكن المخيب للآمال ان تبقى هذه النماذج على الرف، فيما يتصارع أصحاب الصفحات الباهتة على مراكز صنع القرار، ويتنافس أرباب النهب وجمع المال الحرام في دعمهم والوقوف الى جانبهم، ليظل الوطن مكلوما ينزف الى حين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد