إمعان الحكومة في عنادها، وإصرارها على عدم إلغاء قرار رفع الأسعار رغم الانتفاضة الشعبية الهائلة ضد القرار، لن يمر بسلام، فالشعب ما زال في حالة ذهول من الصدمة، واليقظة الحقيقية لم تأت بعد، فأسعار السلع والخدمات الأخرى بدأت ترتفع تدريجياً ولكن على استحياء، ولكنها ستشتعل مع مطلع العام المقبل منذرة بتحوّل كبير في حياة الشعب الأردني، وعلى الناس أن يتحمّلوا شظف حياة كريهة أقحمتهم فيها حكومات أردنية لم تكن كفؤة في إدارة شؤون البلاد..!!
نريد أن يعلم صاحب القرار الأول أن بعض أبناء شعبه باتوا يعيشون حياة قاسية مُهينة، وباتوا يشعرون بالإذلال والكرامة الممسوخة، وقد استحلفني بعض الإخوة الغيورين على بلدهم وأبناء وطنهم وناشدوني بالله أن أكتب وأوصل صوت الفقراء ومنْ يتلوّوْن جوعاً وبرداً إلى صاحب القرار بعد نفاذ القرار المشؤوم للحكومة برفع الأسعار، هل تريدون أكثر من أن يتدفأ الأردنيون وأطفالهم على مدافيء وقودها الأحذية المهترئة وقطع الكاوتشوك والملابس القديمة البالية، وأصحاب الحظ منهم يذهبون لقطع الأشجار واحتطابها لتكون وقوداً لمدافئهم، بعد أن لم يعد بمقدورهم شراء الكاز والغاز..!!
إذا كانت الحكومة لا تعلم، أو لا تريد أن تعلم، وتصر على دس رأسها في الرمال، فإن من واجب صاحب القرار الأول أن يعلم بما يجري لشعبه، فهذا الشعب الذي لطالما أرادته القيادة الهاشمية أغلى ما تملك، لا يجب أن يُهان، وتُمسح بكرامة بعضه قاذورات حاويات القمامة، فالكثيرون باتوا يبحثون في هذه الحاويات عما يسدّون به منافذ البرد والجوع، ألهذا وصل الحد ببعض أبناء شعب كريم عزيز أذلته الحكومات برداً وجوعاً حتى تحوّل الأردنيون إلى مخلوقات في مختبرات بحث وتجريب، تُمارس عليهم أشكال عديدة من التجارب، وتريد الحكومات بعد ذلك أن تختبر فيهم قدرتهم على التحمّل والصبر والتكيّف مع صور الإذلال والمهانة..!!
إلى متى يمكن أن يصبر الأردنيون على كراهية الحياة في مجتمعهم وقساوة العيش، وإلى أي مدى يمكن أن يتحمّلوا كذب الحكومات وفشل السياسات، وتراخي إرادة الساسة في وضع الفاسدين ممن نهبوا ثروات الدولة وأكلوها لحماً وتركوها عظماً وراء القضبان..؟!
لم يعد الأردنيون، أيها الساسة، يقبلون بالتبجيل والتكريم على حساب حليب أطفالهم وحبة دواء شيوخهم، ولن يعودوا يفسحون صدور مجالسهم لمن نهب وسلب وسمسر ولعب واستغل وارتشى وكسب.. ولكل منْ فسدوا وأفسدوا أيما فساد.. والشعب كله يعرفهم بسيماهم إحساساً وشعوراً، وعلى أجهزة الدولة المعنية التي تُدار بأموال الشعب ويُغدق عليها من أموال الشعب أن تأتنا بالدليل، وتضعه بين يدي صاحب القرار ليزجّ بهم وراء القضبان بعد أن يستعيد ما نهبوه من أموال شعبه..!
سنظل وستظل حراكاتنا الشعبية البطلة ترفع شعار (لا للبرد ولا للجوع.. هُمُّوا أسباب الركوع) فالشعب الحي لا يرضى بالمهانة، ولا يصبر على برد أو جوع بفعل الإذلال والفشل في إدارة شؤون بلاده..!
أدعو رئيس الحكومة، بطل قرار رفع الأسعار، الذي أكنّ لشخصه الكريم كل محبة واحترام وأقدّر عالياً تاريخه الحافل، ولكني أعارض قراره الأخير وأعتبره خطيئة بحق الشعب، أدعوه إلى إطفاء أجهزة التدفئة في منزله، لكي يشعر وأهل بيته بالبرد تضامناً مع الكثيرين من فقراء الأردن ومتوسطي الحال شيوخاً وأطفالاً وعجزة ممن لم يعودوا قادرين على توفير وقود التدفئة في بيوتهم، فإن تضامنه على هذه الشاكلة مع الشعب دليل على شعور متبادل بالهمّ والوجع، وهو وحده ما يبرر للرئيس اتخاذ قرار بهذه القسوة، ونستذكر هنا ما قاله حكيم من الحكماء المحدثين: لا يملك منْ لم يتألم أن يتكلم ومهما قيل عن الدعم النقدي، فما هو إلاّ فتات ودريهمات قليلة لن تسعف في إنقاذهم من البرد، ولمّا يبدأ البرد القارس بعد، وفي قادم الأيام ستضعهم أمام واقع أليم من الجوع والبرد والبطون الخاوية، فهل تراهن الحكومة ويراهن صاحب القرار على صبر الأردنيين..وإلى أي مدى..!!؟
أما آخر الكلام... فقد قالوا لنا وراهنوا: لم يعد يهمه الأمر..! قلنا: بل يهمه ونراهن على ذلك والأيام بيننا، فلننتظر..!
Subaihi_99@yahoo.com