تمثل الهيمنة على المنطقة العربية لما تملكه من ثرواتها البترولية والمعدنية والغازية وثغورها وممراته المائية,قناة السويس, مضيق هرمز,باب المندب, وشواطئها على البحار الرئيسة,الأحمر,المتوسط, وعلى المحيط الأطلسي , تمثل مصلحة حيوية من جملة المصالح الحيوية المحدودة في الاستراتجية الأميركية والتي تشمل حماية حدودها من عدوان خارجي,أمن الكيان الصهيوني,منطقة الخليج والدول العربية المجاورة والمحيطة به.وكان ريغان الرئيس الأميركي الأسبق يقول :إذا سيطرت عليها(أي الثروات والممرات المائية) قوى معادية لنا فسوف يهددون أمننا وأمن أوروبا,مضيفا إن الدفاع عن (إسرائيل ) هو التزام أخلاقي أميركي. فكيف تسند القيم الأخلاقية التي يلتزم بها ريغان وساسة أميركا دعم احتلال وتشريد ملايين من أصحاب الأرض؟وهل أصبحت القيم الأخلاقية بمعنين متناقضين كما هي سياسةالكيل بمكيالين؟؟أي هل سحبت معايير السياسة المتلونة والمخادعة على ثبات معاني القيم وترسخها في الفكر الإنساني؟!!.
وقبل أن نسترسل في الكلام يطرح سؤال نفسه علينا بإلحاح مفاده:- هناك دول عديدة غيرعربية تملك نفس الثروات البترولية والغازية ولها أهميتها الجيو- سياسية والجيو استراتيجية ولهاشواطئها الممتدة الواسعة على البحار والمحيطات وثروات أخرى كثيفة,ولكنها تملك كل منها سيادتها الوطنية واستقلال قرارها وإرادة شعوبها بحكامهم حرة ولم تتمكن القوى الإمبريالية من فرض القيود على أي نشاط سياسي أو عسكري أو اقتصادي يقررون القيام به. فلماذا إذن فقط نحن العرب من قَبِل بالمستعمرمرحبا مهللا,وإنْ تعفف المستعمر عن غزونا نتوسل إليه كي يحتل مركز الصدارة في قرارات وطننا؟؟
استطاعت الحقب الاستعمارية الأوروبية أن تجزئ منطقتنا العربية جغرافيا وأن تنصب عليها زعامات سياسية ربطت مصيرها بالسياسات الاستعمارية مثلتها بريطانيا وفرنسا ,ثم وبعد أن تهاوت سياسات هذين البلدين بهزيمة فرنسا السهلة في الحرب العالمية الثانية وما ألحقته الحرب من خسائر ضخمة للإنجليزتفردت السياسة الأميركية في الهيمنة على المنطقة باعتبارها مصلحة حيوية أميركية, وألحقت كلا من تركيا وإيران الشاه في مظلة هذه الهيمنة التي تحميها بإقامة القواعد العسكرية المدججة بالأسلحة الحديثة القادرة على شن عدوان مباشر على أي دول هذه المنطقة.ولم يكن وعد بلفورمنفصلا عن إحكام السيطرة العسكرية على المنطقة بإقامة كيان يملك من القوى العسكرية ما يفوق أو يتفوق على كل ما تملكه الدول العربية بالتحديد لكي تستديم الطاعة للسيد القوي ليحافظ على مصالحه مهما كان الثمن الذي تدفعه شعوب المنطقة والأضرار التي تلحق بثرواتهم وكرامتهم الوطنية.
تطويع القيادات السياسية وزعاماتها وتطبيع علاقاتهم وتحويرها بما لا يتعارض مع المصالح الأميركية والغربية لم ينعكس بطبيعة الحال على الوعي الشعبي الذي,على العكس من ذلك أخذ على الدوام بأحزابه وتياراته الوطنية وفئاته المتنورة , يطالب بالاستقلال عن الهيمنة لغربية - الأميركية والحرية والوحدة العربية التي هي البيئة الطبيعية للقوة العربية والكيان النموذجي لحرية المواطن ولكرامة الوطن, ولمواجهة الاحتلال الصهيوني لأقدس أرض بمباركة السماء لها بأنبيائها وقديسها ودعاة القيم الإنسانية منها. وقد ترجمت تلك القوى مواقفها ومواجهاتها لقوى الرجعية واليمين والتيارات الانتهازية قيام ثورات في عدد من الدول العربية بدفع من النبض القومي الصادق في وطنيته وفي تحرير إرادته وثرواته من الأطماع المباشرة والمعلنة للغرب ولأميركا بشكل خاص , بعدما تحولت كل من بريطانيا وفرنسا إلى دول تابعة لأميركا من الدرجة ما دون الثالثة وما ينحدر بعدها من مواقع خاصة خلال العقدين المنصرمين.
انهمكت السياسات الغربية بمحاربة القوى القومية العربية وسياسات السعي نحو تحرير الإرادة الشعبية,وتنمية القدرات الوطنية على موجهة العدوان الصهيوني المباشر,وإحلال ثقافة الاستقلال محل فكرالتسليم المهيمن لواقع تفرضه تلك القوى جل اهتمامه الإبقاء على تفرق أبناء الأمة الواحدة ويوحي لكل قطر بأنه أمة بذاتها ويدعم توجهات التحلل من الروابط القومية التي هي نُسُج طبيعية لمكونات أمة تربطها العوامل القومية الموحدة التي تعيد لها مجد امتلاك قرارها وتحديد مسارها السياسي والتنموي كي تعاصر التحضر وتملك أدوات التقدم والتطور,وتعميق الوعي بروابطها التاريخية واللغوية والمعتقدات التوحيدية والموحدة,والتعددية التي تغني مصادر المعرفة وترفد المجتمع بقوى متنوعة تعمل على تسريع وتائر تقدمها وتصون كرامتها وتحمي استقلالها. وانهمك الفكر الشوفيني الغربي على إرسال معلومات سلبية عن تجربة أوروبا القومية ,تلك السياسة التي أحرقت الحروب دولها ليس بسبب تمسك كل منها بقوميته,بل بتأجج نوازع العنصرية التي أحيتها دوافع الاستقواء وأطماع النهب واستغلال ثروات الغير الطبيعية وانعكست بدورها على السياسات الاستعمارية الصرفة التي تبنتها كل دولة منها والتنافس فيما بينها على قتل الحريات وسد الطرق أمام خصوم كلهم جشع وأعمى بصائرهم الطمع في ثروات الدول الضعيفة التي استكانت بسبب تصحر ثقافتها وفقدان محفزات التنوير بمنجزات عصرية أبدعها العقل العلمي ونفذتها التقنيات المبدعة.
وبما إن ,لم تعدم القوى الامبريالية إيجاد من استجاب لادعاءاتها بالتعميروتقاسم المال من الثروات البترولية التي تعتبرالمحرك الرئيس لاقتصاد دول الغرب وموقد توليد طاقة تقدمها فقد عمدت بكل قواها على الابقاء على سيطرتها المطلقة على حكام منابع النفط ومحاولة فرض سيطرة مماثلة على دول تشرف على ممرات نقل النفط المائية والجافة المحتضنة أنابيبه لنقل السائل منه والغاز كذلك.ففي حين نجحت في السيطرة على منابع النفط العربية فقط عن دون منابعه في الدول الأخرى بما في ذلك الدول المجاورة لها في أميركا اللاتينية وغيرها,عجزت كذلك عن تطويع الشعب العربي في دوله الأخرى,وتفاعلت بعض قيادات هذه الدول مع إرادة شعبها المطالبة بالتحرر من الهيمنة الاستعمارية,وحدث أن تلك القيادات أدركت بحسها الوطني البعد القومي وأثره في حشد قوى الشعب لمعارضة الأنظمة الراضخة للهيمنة الغربية- الأميركية من جهة,ومحاربة القوى الامبريالية وسياساتها في المنطقة.وكان لا بد من أن تكون القوى القومية في مواقع متقدمة من جبهة المحاربة تلك, من الجهة المكملة لطبيعة الصراع التحرري والاستقلالي ودعمتها قوى وطنية تمثلت بالأحزاب الشيوعية والحركات الاشتراكية والقوى الاجتماعية من المستقلين ونقابات العمال والفلاحين ..
سياسات الاستناد إلى القوة والترهيب والتخويف,وأحيانا الترغيب والمداهنة,والمراوغة,وهذه المفردات الأخيرة التي تستعملها قوى الامبريالية على الدوام,تنبع من صفة مركزية في سلوك هذه القوى وأعوانها ,وهي صفة الكذب ثم الكذب في الوعود وفي خرق العهود,فاستخدام القوة أو مجرد التلويح بها ينفي في النهاية كل مقولات سابقة عليه ويلغي كل عهود تم التوقيع عليها,هذه كلها شكلت محور تدخل القوى الامبريالية في المنطقة العربية بشكل خاص.والكذب التي اعتادت عليه إدارات أميركا وبريطانيا وفرنسا ليس تهمة وصمها العرب بهم ,بل شعوبهم التي غالبا ما تقع ضحية التضليل الإعلامي وتشويه الحقائق وقلبها,والتشكيك في نوايا الآخرين تجاه بلادهم ومن هؤلاء الآخرين يقع العرب بطبيعة الحال على رأس القائمة ,وعلى الأخص منهم الزعامات الوطنية وقواها التحررية التي انبعثت في ضمائرهم صحوة تحررية نقية تقدمية تسعى إلى لعب دورسياسي سيادي تحمله خلفية حضارية معترف بها وبدورها التاريخي في الحضارة الإنسانية,يكون هذا الدورمتكافئا مع أدوار دول الجوار من ناحية, ومع أدوار دول العالم الممثلة في الأمم المتحدة من ناحية ثانية.
لم تستكن حراكات التآمر والدسائس والتجسس النشط من أطراف غربية متحدة في عقيدتها الإمبريالية على ضرورة تفتيت في الدول العربية وعلى تحجيم دور الدول التي رفعت راية سيادة الوطن وكرامة الأمة, التي عملت من خلال محورين:الأول؛ تطويع تلك الزعامات بإغراءات تنموية شريطة انكفاء كل دولة منهاإلى داخل حدودها, والثاني ؛هو التخلص منها وكسر شوكة نظمها.وهو مدار بحث الجزءالثاني في الموضوع .